تل أبيب - فلسطين اليوم
قرر "الكابنيت" الإسرائيلي، بصفته "اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي"، بعد نقاشات صاخبة وخلافات طاحنة بين الوزراء، تجميد مخطط إخلاء قرية الخان الأحمر وهدمها، وحرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على التأكيد أن القرار جاء بناءً على "توصيات الجهات المختصة"، ويقصد بذلك الجيش والمخابرات، كما قرر الكابينت أيضًا، إعطاء مهلة أسابيع لإتمام المفاوضات بشأن إخلاء المكان بموافقة السكان.
وجاء هذا التطور المفاجئ، قبيل منتصف الليلة قبل الماضية، بعد دراسة الموقف الذي عبّرت عنه المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، الأسبوع الماضي، وحذّرت فيه إسرائيل من تهجير بدو قرية الخان الأحمر وهدمها، باعتبار ذلك جريمة حرب، وقالت بنسودا في بيان لها إن "الإخلاء بالقوة يبدو وشيكًا الآن، فالتدمير الشامل للممتلكات من دون ضرورة عسكرية، ونقل السكان في الأراضي المحتلة، تشكل جرائم حرب، بموجب معاهدة روما الأساسية التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية".
وتبيّن أن هذا التحذير جعل السلطات الأمنية ووزارة الخارجية الإسرائيلية تعيد حساباتها، وبموافقة نتنياهو نفسه، توجه مندوب عن مجلس الأمن القومي في ديوانه، إلى المحامي توفيق جبارين، الذي مثّل أهالي الخان الأحمر، داعيًا إلى إجراء مفاوضات بغية التوصل إلى اتفاق وحل الإشكال التخطيطي لمنازل القرية من دون معارك، واستجاب جبارين للدعوة وأدار مفاوضات سرّية، بعلم بعض المسؤولين الفلسطينيين.
وخلال المفاوضات، عرض ممثل نتنياهو مشروع التسوية نفسه، الذي كان قد اقترحه جبارين أمام المحكمة عندما بحثت القضية، وهو الاعتراف الحكومي بقرية الخان الأحمر كقرية مستقلة، ووضع خريطة هيكلية رسمية لها، ومنح تراخيص بناء بيوت حجر للسكان بدل البيوت المؤقتة والبدائية القائمة اليوم، وبناء مدرسة وغيرها من المنشآت العامة، وذلك مقابل موافقة السكان على إخلاء بيوتهم وإزاحة تجمعهم السكني بضع مئات من الأمتار عن موقعه الحالي بمحاذاة الشارع رقم 1، الذي يصل بين القدس وأريحا.
وقال جبارين إن "المفاوضات والمقترحات التي قُدمت لمكتب نتنياهو وحصلنا على موافقة مبدئية عليها، تعتمد بالأساس على المقترحات والبدائل التي قدمناها للمحكمة العليا من خلال الالتماس في شهر يوليو (تموز) الماضي، حيث ردت المحكمة الالتماس، وأصرت على طلب الإدارة المدنية بهدم الخان الأحمر وإخلائه"، وأوضح جبارين أنه خلال المفاوضات مع مكتب نتنياهو، تم تقديم مقترحات عدة، بيد أن المقترح الذي حظي بموافقة مبدئية من جانب نتنياهو، كان الاعتراف بالتجمع السكني، شريطة إزاحته مئات الأمتار عن الشارع الرئيسي، وعزا جبارين تراجع نتنياهو إلى صمود أهالي الخان الأحمر والاعتصام والتضامن الفلسطيني الجارف معهم، وكذلك إلى دور المتضامين الأجانب وحتى الإسرائيليين مع الأهالي، فضلًا عن تحذيرات المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية.
وحال انتشار النبأ حول التوصل إلى اتفاق، عقدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في منظمة التحرير الفلسطينية، مؤتمرًا صحافيًا، فجر أمس (الأحد)، في خيمة الاعتصام في الخان الأحمر، قال فيه رئيس الهيئة الوزير وليد عساف، إن هذا انتصار لأهالي الخان الأحمر ولكل الشعب الفلسطيني، ولكنه أضاف "مشكلتنا أننا لا نثق بالاحتلال، ولذلك سنواصل اعتصامنا هنا للدفاع عن بادية القدس".
وقد أغاظ نبأ الاتفاق عددًا من وزراء اليمين الحاكم في إسرائيل، فقال وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، إنه يرفض تجميد الهدم والإخلاء، وأضاف "قرار تأجيل الإخلاء تم على الرغم من معارضتي الشديدة"، وأصدر وزير التعليم نفتالي بنيت، رئيس حزب المستوطنين (البيت اليهودي)، بيانًا مشتركًا مع رفيقته وزيرة القضاء أييلت شكيد، يعلنان فيه أن الإخلاء سيتم حتمًا، ويضمنان أن تختفي عن الوجود قرية الخان الأحمر، وأمام هذه التفوهات، خرج رئيس الوزراء نتنياهو، بتصريح قبيل لقائه مع وزير المالية الأميركي ستيف مينوتشين، قال فيه "سيتم إخلاء الخان الأحمر، هذا هو قرار المحكمة وهذه هي سياستنا وسيتم تنفيذها، لا أنوي تأجيل ذلك حتى إشعار آخر، خلافًا لما نُشر، ولكن لفترة قصيرة فقط".
بيد أن نتنياهو دعا وزراء "الكابنيت" إلى أحاديث شخصية، شرح فيها اضطراره إلى التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، ودعاهم إلى تأييد الاتفاق، وقد التأم "الكابنيت" فعلًا في ساعات بعد الظهر، في جلسة وُصفت بأنها صاخبة ومتوترة، تخللتها شجارات كلامية، وفي نهاية المطاف، اتُّخذ قرار بالأكثرية يؤيد الاتفاق بإرجاء هدم تجمع الخان الأحمر، والاعتراف به قرية، وببنائها من جديد على أرض لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار عن مكانها الحالي، وقال مصدر سياسي في مكتب نتنياهو إن "المستوى السياسي في إسرائيل سيؤجل هدم وإخلاء الخان الأحمر لحين استنفاد المفاوضات والمقترحات التي قُدمت من قبل أطراف عدة حول هذه القضية مؤخرًا، وذلك قبل الشروع في عملية الإخلاء بالقوة".
أرسل تعليقك