تستمر انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في حق الشعب الفلسطيني، حيث يستيقظ المقدسيّون من صدمة استيلاء جمعيّة "العاد الاستيطانيّة" في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر على عقار سكنيّ في حيّ "وادي حلوة" في بلدة "سلوان"، في جنوب "المسجد الأقصى" الذي تملكه إلى عائلة فتيحة التي تعيش الأن في "الولايات المتّحدة الأميركيّة"، حتّى تلقّوا ضربة موجعة في اليوم التالي في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر باستيلاء المستوطنين على مبنى (بيت كبير تبلغ مساحته نحو 500 متر مربع) مكوّن من 3 طبقات يعود إلى عائلة جودة الحسيني، في منطقة "عقبة درويش" في البلدة القديمة في "القدس".
ولا تزال تداعيات تسريب مبنى الحسيني إلى المستوطنين تثير غضب الفلسطينيّين، وخصوصًا المقدسيّين، ممّا دفع رئيس الوزراء الفلسطينيّ، رامي الحمد الله، خلال اجتماع حكومته في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر إلى الإعلان عن تشكيل "لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات قضيّة عقار "القدس"، ومساءلة الأطراف ذات العلاقة" حسب ما جاء في بيان الحكومة الفلسطينية، من دون أن يتمّ الإعلان عن شكل لجنة التحقيق، وأطرافها، ومتّى ستبدأ العمل.
وتحوّلت قضيّة تسريب مبنى الحسيني إلى قضيّة رأي عامّ في فلسطين، خصوصًا أنّ المبنى العائد إلى عائلة جودة الحسيني يقع في منطقة استراتيجيّة في البلدة القديمة، إذ يطلّ على شارع المجاهدين، ولا يبعد سوى عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى.
وتعود قصّة العقار إلى عام 2013، حيث نقلت وكالة وطن للأنباء المحلية عن أديب جودة في 4 تشرين أول/أكتوبر قوله إن عائلته عرضت المنزل للبيع في 2013، حينهًا تقدّم الناشط الفلسطينيّ في "الولايات المتّحدة الأميركيّة" فادي السلامين لشرائه بمبلغ 2.5 ملايين دولار، وتمّ توقيع عقد البيع والشراء، لكنّ تدخّل السلطة الفلسطينيّة وحجزها على أموال السلامين في البنوك، بسبب علاقته مع القياديّ المفصول من فتح محمّد دحلان، جعله غير قادر على سداد بقيّة دفعات المنزل عندما تكون مستحقة، الأمر الذي أدى إلى إحباط الصفقة عام 2016، حسب أقوال جودة الحسيني.
وجاء تدخل السلطة لإفشال صفقة البيع بشكل مباشر ومقصود، بعد أن أصدر النائب العام الفلسطيني احمد البراك في 31 أيار/مايو 2016 قرارا بالحجز على أموال شركة "السرينا الدولية للتجارة والاستثمار" التابعة لفادي السلامين والتي تتلقى أموال من شركة "الثريا للاستثمارات والبحوث" التابعة لمحمد دحلان حسب النائب العام، وذلك بعد 4 أيام فقط من نشر صحيفة الأخبار اللبنانية في 27 أيار/مايو 2016 تحقيقا صحفيا حول دعم "الإمارات" ماليًا لفادي السلامين لشراء بيوت في "القدس" عن طريق محمد دحلان.
وأوضح جودة، لوكالة "وطن" المحلية وهو الموكل ببيع العقار من والدته لمياء الحسيني أن رجل الأعمال الفلسطيني خالد العطاري تقدم في عام 2016 لشراء المنزل، بالمبلغ ذاته (2.5 ملايين دولار)، حسب عقد البيع والشراء الذي قام بالتوقيع عليه جودة نيابة عن والدته (يملك وكالة خطية)، والعطاري المشتر، ونشره جودة ووزعه على وسائل الإعلام المحلية، ومن ضمنه الوكالة المكتوبة من والدته.
ومنذ استيلاء المستوطنين على العقار وافتضاح امر تسريبه لهم، يتبادل أديب جودة الحسيني (صاحب العقار) وخالد العطاري، الاتّهامات عبر وسائل الإعلام المحلّيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ بتسريب (بيع) إلى شركة DAHO" "HOLDINGS LIMITED، والتي بدورها منحته إلى المستوطنين، وهي شركة أجنبية قابضة مسجلة في منطقة البحر الكاريبي، حسب ما نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر تقريراً، قالت فيه إنّ العطاري باع المنزل بـ17 مليون دولار.
وظهر العطاري، في تسجيل مصور يظهر به جودة في جلسة مع وجهاء من القدس ومحامين في 12 تشرين الأول/أكتوبر لمعرفة حقيقة ما جرى، حيث حاول العطاري نفي علاقته بشركة DOHO، وابدى عدم معرفته بالكثير من الأوراق التي قدمت له من قبل المحامين، محاولا اتهام جودة حينا وحينا أخر السلامين بالبيع.
ونشر الناشط المقدسيّ كامل أبو قويدر، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك" المسمّاة "القدس بوّابة السماء" في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر وثيقة قال إنّها من دائرة أراضي إسرائيل، توضح أنّ العقار تمّ تسجيله في "الطابو" الإسرائيليّ باسم خالد العطاري في 23 نيسان/أبريل 2018، ومن ثمّ قام العطاري ببيع العقار لصالح شركة أجنبية في ذات اليوم ، تسمّىDAHO HOLDINGS LIMITED.
وقال أبو قويدر، وهو شخصية اجتماعية مقدسية وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي لـ"المونيتور": "أملك تسجيلات ووثائق تدين خالد العطاري ببيع العقار، ونشرت مستندًا يثبت أنّ العقار المسرّب كان مسجّلًا باسمه، وهو من باعه إلى المستوطنين" ، في إشارة إلى أن شركة داهو ذات علاقة وثيقة بالمستوطنين.
وانتقد أبو قويدر، قادة في الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة ومحافظ "القدس" السابق عدنان الحسيني — لأنه كما يقول " اطلعتهم بشكل شخصي على شكوكه بتسريب العقار وبيعه للمستوطنين قبل استيلاء المستوطنين عليه بـ3 اشهر، لكنهم لم يفعلوا شيئًا".
وحاول "المونيتور" التواصل مع رجل الأعمال المتهم بتسريب العقار خالد العطاري وبائع العقار أديب جودة الحسيني ، لكنّ ذلك لم يكن ممكنًا.
وتفاعلت ردود الفعل الشعبيّة والرسميّة على تسريب المباني والعقارات في القدس، حيث جدّد مجلس الإفتاء في بيان له في 11 تشرين الأوّل/أكتوبر تأكيده أنّ "تسريب العقارات والأراضي في مدينة "القدس" أو أيّ أرض فلسطينيّة أخرى إلى الاحتلال الإسرائيليّ حرام شرعًا"، مضيفًا أنّ "البيع إلى الاحتلال أو التسريب أو تسهيل التمليك من خلال السماسرة المرتزقة، يعدّ خيانة عظمى للدين والوطن".
من جانبها، أصدرت القوى الوطنيّة والإسلامية في القدس في 11 تشرين الأوّل/أكتوبر بيانًا شديد اللهجة طالبت فيه السلطة والأجهزة الأمنيّة بمحاسبة المتورّطين في بيع العقارات والأراضي في بلدة "سلوان" ومنزل جودة في البلدة القديمة.
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، أصدر في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر 2014 قراراً بقانون معدّل لقانون العقوبات الأردنيّ رقم 16 لسنة 1960، عدّل بموجبه نصّ المادّة 114 من القانون، بحيث تضمّن التعديل الجديد عقوبة الأشغال الشاقّة المؤبّدة على كلّ من قام بتسريب أو تأجير أو بيع الأراضي لدولة معادية أو أحد رعاياها، بدلًا من الأشغال الشاقّة الموقّتة.
وكشف تسريب العقارات في القدس حالة الإهمال التي تعاني منها المدينة من الجهات الرسميّة الفلسطينيّة، إذ قال الناطق الإعلاميّ للجنة الدفاع عن سلوان (لجنة شعبية فلسطينية تعنى وتعمل على الدفاع عن أراضي وعقارات بلدة "سلوان" في القدس الشرقية من التهويد) وقال أبو ذياب لـ"المونيتور"، إنّ عدد العقارات المقدسيّة في البلدة القديمة والقدس يبلغ 32 ألف عقار، سرّب (بيع) منها منذ بداية تسعينيّات القرن الماضي 60 عقارًا إلى المستوطنين.
ولفت أبو ذياب إلى أنّ المقدسيّين يشعرون بغضب شديد إزاء تسريب العقار الأخير، لأسباب عدّة، أهمّها أنّه من أقرب العقارات إلى المسجد الأقصى، ولوجود جهات خفيّة فلسطينيّة ذات نفوذ وصلاحيّات ساعدت في تسريب العقار إلى المستوطنين، وعدم مسارعة السلطة الفلسطينيّة إلى توضيح الحقائق إلى الرأي العامّ.
ودعا أبو ذياب، إلى إيجاد وسائل عمليّة لمنع تسريب عقارات جديدة في القدس، وخلق بدائل لمساعدة الفلسطينيّين، كإنشاء صندوق خاصّ لعقارات القدس لمساعدة المقدسيّين الذين يريدون بيع منازلهم لشرائها والمحافظة عليها، مشيرًا إلى أنّ الإهمال وغياب الإرادة والاستراتيجّية من قبل المؤسّسة الرسميّة لمنع التدهور في القدس والتصدّي له يجب أن ينتهيا.
ويشكّل تسريب العقارات في "القدس" ظاهرة مقلقة ومرعبة بالنسبة إلى المقدسيّين، الذين يواجهون سياسات السلطات الإسرائيليّة الهادفة إلى تهويد المدينة وأرسلتها عبر كلّ الطرق الممكنة، خصوصًا أنّ التسريب يتمّ عبر جهات فلسطينيّة .
أرسل تعليقك