غزّة - كمال اليازجي
في ظل الأوضاع الصعبة التي يشهدها قطاع غزة منذ اندلاع الحرب، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن أول دفعة من المرضى والجرحى ستتمكن من مغادرة القطاع عبر معبر رفح البري يوم السبت الموافق 1 فبراير/ شباط. وأوضحت الوزارة أنها ستتواصل مع المرضى والمرافقين لترتيب إجراءات السفر وفق كشف تم الاتفاق عليه مع الأطراف المعنية، في خطوة طال انتظارها لتخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع المحاصر.
وقد تم التنسيق لنقل المرضى من مجمع الشفاء الطبي ومجمع ناصر الطبي بواسطة حافلات تابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي ستتجه مباشرة نحو المعبر. وكان من المقرر فتح المعبر بعد أن أتمت حماس تسليم آخر دفعة من الرهائن الإسرائيليين، وفقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الطرفين.
يأتي ذلك في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، والذي يتضمن السماح بخروج حوالي 300 شخص يوميًا من المصابين ومرافقيهم، بالإضافة إلى الحالات الإنسانية الأخرى. كما يتضمن الاتفاق دخول 600 شاحنة إغاثية يوميًا محملة بالمساعدات التي يحتاجها سكان القطاع بشدة، في ظل استمرار الأزمة الإنسانية الخانقة.
من جهتها، أعلنت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن نشر بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة عند معبر رفح، مؤكدة أن هذه البعثة ستدعم الطاقم الحدودي الفلسطيني وستساهم في تسهيل نقل الأفراد من غزة، وخاصة المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية. وأكدت البعثة الأوروبية للمساعدة الحدودية (يوبام) أن فريقًا متخصصًا سيبدأ العمل قريبًا في معبر رفح، بناءً على طلب من إسرائيل والفلسطينيين وموافقة مصر.
ورغم الإعلان عن إعادة تشغيل المعبر، فإن هناك جدلًا حول الجهات التي ستتولى إدارته. فقد نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر فلسطينية أن البعثة الأوروبية ستدير المعبر بالتعاون مع موظفين فلسطينيين غير مرتبطين بحماس. في حين أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيانًا ينفي أي نية لنقل إدارة المعبر إلى السلطة الفلسطينية، موضحًا أن دورها سيقتصر فقط على ختم جوازات السفر، بينما سيخضع المعبر لإشراف مباشر من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت"، مع تمركز قوات إسرائيلية في محيطه.
على الجانب المصري، أكدت السلطات رفضها التام لأي وجود عسكري إسرائيلي على الحدود بين غزة وسيناء، حيث أعلن محافظ شمال سيناء خالد مجاور أن مصر بدأت استعداداتها لاستقبال المصابين الفلسطينيين القادمين من القطاع عبر معبر رفح. كما صرّح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بأن المعبر سيعمل قريبًا بمجرد اكتمال الترتيبات مع الجانب الفلسطيني.
تجدر الإشارة إلى أن بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في رفح تأسست عام 2005 بموجب اتفاقية المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بهدف الإشراف على حركة الفلسطينيين عبر المعبر بعد انسحاب إسرائيل من غزة. لكن عمل البعثة تعطل في 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع، ومنذ ذلك الحين، بقيت البعثة تعمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لتحسين قدراتها في إدارة الحدود.
ويُعتبر معبر رفح المنفذ الوحيد لسكان غزة إلى العالم الخارجي الذي لا يخضع للسيطرة الإسرائيلية المباشرة، إلا أن عمله كان مقيدًا بشدة حتى قبل الحرب، حيث كان يُطلب من الفلسطينيين التقدم بطلبات للخروج قبل أسابيع، وغالبًا ما يتم رفضها دون إبداء أسباب واضحة. ومع اندلاع الحرب، فُتح المعبر بشكل محدود لإدخال المساعدات وإجلاء بعض المدنيين، لكنه ظل خاضعًا لإجراءات معقدة ومكلفة، مما جعل السفر عبره شبه مستحيل للكثيرين.
وفي مايو/ أيار 2024، سيطرت القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من المعبر، مما أدى إلى توقفه تمامًا عن العمل، وزاد من معاناة سكان القطاع. كما تعرض المعبر لأضرار جسيمة جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما استدعى عمليات تأهيل لإعادته للخدمة.
مع إعادة فتح المعبر جزئيًا وفق الاتفاق الأخير، يأمل الفلسطينيون في غزة أن يكون ذلك بداية لحل الأزمة الإنسانية التي يعانون منها، وسط دعوات دولية لمواصلة الجهود لضمان حرية الحركة وإيصال المساعدات للمدنيين المحاصرين.


أرسل تعليقك