أكد فادي العبدالله، المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قدّم الثلاثاء، طلبا للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، للتحقيق في جرائم إسرائيلية ضد الفلسطينيين، وأضاف أن الوزير الفلسطيني التقى المدعية العامة فاتو بنسودا، ولم يجر أي لقاءات مع أي شخصيات أخرى داخل مقر المحكمة.
وبشأن ما رددته تقارير إعلامية، من أن إسرائيل حثت المحكمة على رفض الطلب ووصفته بالسخيف، واتهمت الفلسطينيين بالتحريض واستغلال المدنيين كدروع بشرية، وأن المحكمة تفتقر إلى الولاية القضائية لأن إسرائيل ليست دولة طرفا في معاهدة تأسيس المحكمة، قال العبدالله لـ"الشرق الأوسط": "نحن في انتظار صدور تصريح رسمي من مكتب المدعية العامة في المحكمة، لتوضيح الموقف".
وأضاف قائلا إنه لم يسمع شيئا عن طلب إسرائيلي برفض الطلب الفلسطيني، وقال إن الأمر سيتم توضيحه من مكتب المدعية العامة؛ لأنها هي المكلفة بالرد على هذا الموضوع.
وبشأن الفترة المطلوبة للرد على الطلب الفلسطيني،قال العبدالله إنه لا يوجد توقيت محدد للتعامل مع كل الطلبات التي تقدم، ولكن الفترة تختلف من حالة إلى أخرى، وهناك أكثر من خطوة قانونية ينبغي دراستها حول طبيعة الجرائم التي يقال إنها ارتكبت، وهل تدخل في اختصاص المحكمة، وهل المحاكم الوطنية تقوم بدورها بمعاقبة المرتكبين أم لا؟ إذن هناك معلومات ومعطيات ينبغي جمعها وتحليلها قبل صدور قرار من مكتب المدعية العامة، حول هل ينبغي فتح تحقيق أم لا؟ ويتوقف الوقت على تعاون الدول وعلى المعلومات المتوفرة.
وردا على سؤال حول ما إذا كان رفض إسرائيل سيعطل إجراء التحقيقات، قال المتحدث إن لا علاقة لقرار المدعية العامة بقبول إسرائيل أو رفضها؛ لأن المدعية العامة تقوم بالتحليل الأولي للموضوع بناء على المعلومات المتوفرة، ثم تقرر ما إذا كانت ستقوم بفتح تحقيق أم لا. وأضاف أن المدعية العامة للمحكمة لا تحتاج إلى العودة إلى الأمم المتحدة بشأن القرار.
وكان وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، قدم لبنسودا طلب إحالة لإجراء تحقيقات في انتهاكات إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني؛ سواء في الماضي والحاضر، وأي من الجرائم التي تقع في المستقبل، خاصة تلك المرتبطة بمنظومة الاستيطان الإسرائيلية غير الشرعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
وقال المالكي في مؤتمر صحافي بعد لقائه بنسودا، إن القيادة الفلسطينية تضع المحكمة الجنائية "أمام اختبار حقيقي"، مضيفا: "العدالة في فلسطين تأخرت بما يكفي". وأكد أن "فلسطين اتخذت هذه الخطوة بسبب تكثيف جرائم إسرائيل ضد المتظاهرين في غزة، إضافة إلى التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي".
وتابع: "سلطات الاحتلال أدمنت الإفلات من العقاب، وعلى الجنائية الدولية التعامل بحسم مع جرائمها بحق شعبنا".
ووصفت وزارة الخارجية الخطوة الفلسطينية بالمهمة والتاريخية. وأضافت: "إن تقديم الإحالة يعتبر ممارسة لحق وواجب دولة فلسطين، كدولة طرف في ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، بأن تحيل إلى مكتب المدعية العامة أدلة متعلقة بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم أخرى تقع ضمن اختصاص المحكمة، وذلك بهدف التحقيق، وخدمة لمبادئ العدالة، والمساءلة، ومنع إفلات المجرمين من العقاب، وردعا لسلطات الاحتلال عن ارتكاب مزيد من الجرائم بحق شعبنا الفلسطيني ومقدراته".
وانتقدت الخارجية التأخير في الدراسة الأولية التي بدأتها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية قبل ثلاثة أعوام ونصف، قائلة إنه "لا يخدم مبادئ العدالة، أو ممارسة المحكمة لاختصاصها في تحقيق الردع عن ارتكاب الجرائم من خلال المساءلة. إن العدالة المتأخرة هي عدالة غائبة".
ومن جهته، أكد رئيس اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، الدكتور صائب عريقات، أن التوجه إلى المحكمة جاء "في ضوء الحصانة وغياب المساءلة الدولية لسياسات الاحتلال، وتمادي المستوى الإسرائيلي الرسمي في اتخاذ قرارات سياسية مدروسة لإلغاء الوجود الفلسطيني، وإمعانه في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بدأها في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وتوّجها في عدوانه الآثم على قطاع غزة، حيث حصد (العدوان) حياة مئات الأبرياء من أبناء شعبنا المدنيين والعزل، وأمام الجريمة الكبرى المتمثلة بالاحتلال بحد ذاته، فإن توجه القيادة الفلسطينية نحو الاستناد إلى قوة الحق الوطني والقانوني في ترسيخ وجود شعبنا الفلسطيني وحماية حقوقه، يؤكد حتمية تسليم الإحالة من أجل تحقيق العدالة وردع الاحتلال ومساءلة مجرميه، ورفع الحصانة عنه وعزله عن المنظومة القانونية والدولية والإنسانية".
وختم بالقول: "سنواصل مساعينا في التحرك لمحاسبة الاحتلال في جميع المنابر الدولية، وصولاً إلى إنهائه، وتجسيد سيادة فلسطين على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
لكن إسرائيل شككت بجدوى الخطوة الفلسطينية، وقالت إنها غير قانونية، متهمة السلطة الفلسطينية بإساءة استخدام المحكمة لأغراض سياسية، بدلاً من التحرك من أجل مفاوضات سياسية.
وأصدرت الخارجية الإسرائيلية بيانا قالت فيه: "إنه من المستهجن أن يقوم الفلسطينيون بذلك، في الوقت الذي يواصلون فيه التحريض على الإرهاب، واستخدام الأطفال والنساء كدروع بشرية، للتستر على محاولاتهم العنيفة للإضرار بأمن ومواطني إسرائيل".
وتابعت الخارجية: "إن الخطوة الفلسطينية لا قيمة لها من الناحية القانونية، والمحكمة غير مخولة للنظر في الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني، وذلك لأن إسرائيل ليست دولة عضوا في المحكمة، وكذلك السلطة الفلسطينية ليست دولة".
ووصفت الخارجية الفلسطينية البيان الإسرائيلي بالهش قانونيا وسياسيا. وقال الدكتور عمر عوض الله، رئيس الإدارة العامة للأمم المتحدة، ومنظماتها المتخصصة وحقوق الإنسان في وزارة الخارجية الفلسطينية، في تصريحات لـ"الشرق الأوسط": "أولا، المحكمة ليست الجهة المخولة لنقاش إن كانت هذه دولة أو غير دولة. المحكمة الجنائية قبلت دولة فلسطين عضوا فيها، وقبلت إعطاء المحكمة الاختصاص على الأرض الفلسطينية".
وأضاف: "قضية دولة أو ليست دولة حسمت. فمنذ زمن تم التأكيد على ذلك، في قرار الجمعية العامة عام 2012، عندما قبلت فلسطين دولة مراقبة".
وتابع: "ثانيا، بالنسبة لكون إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، فإن المحكمة مختصة في الجرائم التي ترتكب على أرض دولة فلسطين المحتلة، التي تتشكل من الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة. أي جريمة ترتكب على هذه الأرض من أي جنسية كانت، فإنه يحق للمحكمة الجنائية ضمن ولايتها، محاكمة مرتكبي هذه الجرائم". وأردف: "هذا يسمى الاختصاص المكاني للمحكمة".
وتوقع عوض الله أن تبدأ المحكمة في التحقيق قريبا، قائلا: "إذا نظرنا إلى كل الإحالات للدول الأعضاء سابقا، لم تكن تأخذ وقتا طويلا حتى فتح التحقيق. وبالنسبة لفلسطين، هناك خصوصية. فالتقارير الأممية: تقارير الأمم المتحدة وتقارير بعثات تقصي الحقائق، كلها موجودة".
أرسل تعليقك