طرابلس ـ فاطمة السعداوي
كثّف الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، من وتيرة ضرباته الجوية على مواقع وتمركزات تابعة للميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج، في العاصمة طرابلس، التي تعرضت لسلسلة غارات جوية في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس، ما أسفر عن مقتل 4 وإصابة 20 آخرين. وقالت مصادر عسكرية وشهود عيان إن هذه الغارات استهدفت مخازن الأسلحة والذخيرة لمقرات قوة النواصي، بالقرب من فندق باب البحر، ومعسكر القعقاع، وقوة الردع في منطقة أبو سليم، ومواقع أخرى في منطقتي الرياضية والفلاح؛ حيث عمت الأدخنة الكثيفة أجواء طرابلس، التي يعانى سكانها منذ 4 أيام لانقطاع الكهرباء والمياه.
إقرأ أيضًا:
الجيش الوطني اليمني يحبط محاولة تسلل لميليشيا الحوثي
وتحدث سكان محليون عن اشتعال حريق كبير في معسكر 7 أبريل (نيسان) في طريق السواني، الشهير بالقعقاع جنوب العاصمة، ما يؤكد أن الجيش استهدف مخزنه للذخيرة والآليات المسلحة بالقصف.
وأوضح سكان أنهم سمعوا صوتاً يشتبه بأنه لطائرة مسيرة لمدة ساعة ونصف ساعة تقريباً، كانت توجه صواريخ، وأعقب ذلك دوي 8 انفجارات ضخمة على الأقل، أمكن سماعها بوسط العاصمة، ترافقت مع هدير طائرات في السّماء. ونقلت وسائل إعلام محلية عن فوزي أونيس، رئيس لجنة الأزمة والطوارئ، أن الحصيلة الأولية للقصف تضمنت 4 قتلى و20 جريحاً، وهو ما أكده أمين الهاشمي المسؤول الإعلامي في وزارة الصحة، الذي قال أيضاً إن «العدد مرشح للارتفاع بعد الانتهاء من حصر الضحايا».
ووزعت حكومة السراج، أمس، قائمة تضم 64 من كبار قيادات وضباط الجيش الوطني، قالت إنهم مسؤولون عن قصف طرابلس وتهجير المواطنين، فيما طلب السراج باعتباره وزير الدفاع من المدعى العسكري التابع له اعتقال هؤلاء واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم. كما اعتبرت الحكومة، في بيان منفصل أصدره الناطق باسمها، أن «قصف العاصمة جريمة لن تسقط بالتقادم»، وهددت بأن كل من شارك فيها سيكون مطلوباً للعدالة، كما حمّل البيان البعثة الأممية ومجلس الأمن مسؤولية سكوتهم عن قصف العاصمة باستخدام طيران أجنبي.
وسارعت أيضاً «قوة الردع» الموالية للسراج، لاتهام المشير حفتر بالاستعانة بطيران أجنبي لقصف العاصمة، ما تسبب في إصابات مدنيين وتدمير ممتلكات عامة وخاصة، على حد تعبيرها في بيان مقتضب عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك». وقال فتحي باش أغا، وزير الداخلية بحكومة السراج، في مؤتمر صحافي، عقده أمس في تونس التي يزورها حالياً، إن لدى حكومته دلائل حول مشاركة طائرات أجنبية، والأمم المتحدة تشارك في التحقيق.
في المقابل، قصفت طائرات تابعة لحكومة السراج محيط مطار طرابلس العالمي وبلدية قصر بن غشير، كما تعرضت منطقة سبيعة لقصف عشوائي بصواريخ غراد، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الليبية، الموالية للجيش الوطني، عن شهود عيان، أكدوا وقوع بعض الإصابات بين المدنيين، واشتعال النيران في مقر السرية الخامسة، التابعة لآمر «قوة الردع السريع» غنيوة الككلي، بالقرب من كوبري حي دمشق.
تزامنت هذه التطورات مع إرسال الجيش الوطني سفينة حربية إلى ميناء رأس لانوف بمنطقة الهلال النفطي الرئيسية بشرق البلاد، بعد شائعات غير مؤكدة عن مشاهدة سفينة تابعة لبحرية أجنبية؛ حيث قال أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني، إن السفينة في مهمة تدريب لزيارة غرفة العمليات وتأمين المنشآت النفطية. لكن مؤسسة النفط الموالية لحكومة السراج سارعت إلى إدانة ما وصفته بعسكرة المنشآت النفطية الوطنية في ليبيا، مشيرة في بيان لها إلى قيام عدد من الأفراد المسلحين، الذين لم تحدد الجهة التابعين لها، باقتحام مهبط طائرات تابع للمؤسسة والاستيلاء عليه، واستخدام بعض السفن الحربية والعسكرية للموانئ النفطية.
وبعدما أعربت عن رفضها القاطع لاستخدام المنشآت النفطية لأغراض عسكرية أو سياسية، أعلنت أنه تم إخطار النائب العام الذي سيتخذ جميع الخطوات القانونية اللازمة لحماية الموظفين والمنشآت.
ونقل البيان عن رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله، قوله: «لا يمكن لهذا التصرف غير المشروع وغير المسؤول، الذي يمثل انتهاكاً صارخاً لمهمتنا المدنية، أن يستمرّ»، واعتبر أن «مثل هذه الأعمال تعرض حياة العاملين للخطر، وتزعزع ثقة شركائنا، وتقلّل من قدرتنا على الحفاظ على استمرار عملياتنا».
واستنكر صنع الله كل المحاولات الرامية إلى استخدام معدّات المؤسسة ومنشآتها لأهداف عسكريّة، لافتاً إلى أنّ «المؤسسة تُعدّ بمثابة شريان الحياة للاقتصاد الليبي، وتجب حمايتها من أي شكل من أشكال الصراع».
ولفت البيان إلى جملة أحداث، من بينها الاستيلاء على مهبط الطائرات بالسدرة، بهدف استخدامه لأغراض عسكرية، ودخول عسكريين لميناء السدرة، ومحاولة الاستيلاء على قوارب تابعة للمؤسسة، بالإضافة إلى رسو سفن حربية في ميناء راس لانوف واستخدامه من قبل عدد من السفن العسكرية الليبية.
وسعت حكومة السراج إلى الترويج لوجود مساعٍ لإبرام هدنة لوقف إطلاق النار بين قواتها وقوات الجيش الوطني، لكن مصادر عسكرية في الجيش الوطني أكدت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» أن عملية «الفتح المبين» التي أطلقها المشير حفتر في الرابع من الشهر الحالي لتحرير طرابلس، ستنتهي فقط بعد تحقيق أهدافها، وهي القضاء على كل التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة في المدينة.
وكان مهند يونس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أعلن أنها من خلال السراج باعتباره القائد الأعلى للجيش الليبي، ورئاسة الأركان، ووزارة الدفاع، تؤكد رفضها لأي وقف لإطلاق النار، ما لم تنسحب القوات الغازية وتعود إلى الرجمة، في إشارة إلى مقر الجيش الوطني في شرق البلاد.
وهدد يونس بأن «كل من يحاول استغلال مناخ الأمن والحرية في العاصمة للتأثير على سير العمليات العسكرية سيتم التعامل معه بكل حزم»، لافتاً إلى أن المجلس الرئاسي للحكومة كان قد أعلن حالة النفير العام.
وأضاف: «نحن نراقب عن قرب بعض الدعوات المشبوهة لوقف إطلاق النار، التي تطلقها جهات هدفها ضرب قواتنا في الجبهات من الخلف».
بدوره، أكد اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش، تقدم القوات البرية مدعومة من القوات الجوية في محاور طرابلس بشكل كبير، خصوصاً المحورين الشرقي والأوسط، مشيراً إلى أن الطيران التابع لحكومة السراج شنّ في المقابل 6 غارات استهدفت الجيش الوطني قرب طرابلس.
وطالب المسماري، في مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس، رئيس البعثة الأممية في ليبيا غسان سلامة، ومجلس الأمن، بإطلاع الليبيين على محتويات شحنة السفينة الإيرانية المضبوطة في ميناء مصراتة، لافتاً إلى أن هذه السفينة مملوكة لشركة تتبع «الحرس الثوري» الإيراني، وهي مدرجة على قائمة العقوبات الدولية.
وكانت وزارة الداخلية بحكومة السراج أعلنت ضبط السفينة، التي قالت إنها مدرجة بقائمة عقوبات أميركية أوروبية، قبالة سواحل مدينة مصراتة، على بعد نحو 200 كيلومتر شرق طرابلس، وقالت إن السفينة «SHAHR E.KORD» الإيرانية الجنسية محتجزة لحين استيفاء التحقيقات في حمولتها التي تضم 144 حاوية.
من جانبه، ندّد مجلس ترهونة البلدي بقصف طائرات السراج للمدينة، الذي تسبب في مقتل 3 أطفال وسقوط كثير من الجرحى.
وقال المجلس، في بيان له معزز بصور لآثار القصف، إن الطيران انطلق من الكلية الجوية في مصراتة، وتعهد بأن «هذا العمل الإرهابي لن يمر دون عقاب من قبل أهالي المدينة وبقية الليبيين».
إلى ذلك، تأجلت الانتخابات البلدية التي كان مقرراً إجراؤها أول من أمس في 3 بلديّات في غرب ليبيا، إلى أجل غير مسمّى، بسبب الوضع الأمني و«الانقسامات السياسيّة» في البلاد.
وطبقاً لما أعلنته اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية، فإن عدة بلديات، من بينها صرمان وصبراتة، لم تتمكن من استكمال العملية الانتخابية، نظراً للظروف الأمنية الراهنة، مشيرة في بيان لها إلى أن الانتخابات التي تمت في بلدية سبها عبر 25 مركزاً انتخابياً، جرى تأمينها من مواطني البلدية.
بدوره، قال محمد الدباشي، رئيس اللجنة الفرعيّة لانتخابات بلديّة صبراتة، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أُبلغنا بعدم الجاهزية الأمنيّة و(بأسباب) أخرى متعلّقة بالانقسام السياسي، أدّت إلى عدم فتح مراكز الاقتراع في المدينة وتأجيلها لأجل غير مسمّى»، وأضاف: «الوضع العام في البلاد تسبب كثيراً في التأثير على جاهزية المدينة لانتخاب مجلسها البلدي». ونقلت الوكالة عن حامد الخيالي، عميد بلديّة سبها، أن «إقامة الانتخابات في مثل هذه الظروف والانقسام تجعل نتائجها عرضة للطعن والتشكيك»، مشيراً إلى أنّ الحكومة الموازية المنبثقة عن البرلمان، برئاسة عبد الله الثني، في شرق البلاد، أبلغت بعدم إقامة الانتخابات لأسباب أمنيّة وإداريّة.
ورحّب مبعوث الأمم المتّحدة إلى ليبيا غسّان سلامة، في تغريدة مقتضبة على «تويتر» بإجراء الانتخابات في سبها؛ حيث قال: «انتخابات بلدية على الرغم من هذه الأيام المؤلمة، تحية من القلب».
ووفقاً لقانون انتخاب المجالس البلديّة في ليبيا، فإنّ ولاية المجالس تمتدّ على 4 سنوات غير قابلة للتجديد، ما يعني أنّ المجالس البلديّة، البالغ عددها 125 مجلساً في ليبيا والتي تمّ انتخابها في العام 2014، قد تجاوزت مدّة ولايتها إلى حدّ كبير.
قد يهمك أيضًا:
الجيش الليبي يقصف مواقع الميليشيات جنوب طرابلس
الجيش الوطني الليبي يحشد لحسم معارك طرابلس و"حكومة الوفاق" تُعزِّز ميزانية الحرب
أرسل تعليقك