أعلنت «قوى إعلان الحرية والتغيير» السودانية العودة لـ«لجداول» التظاهر والاحتجاج الأسبوعية الشهيرة مرة أخرى، وإطلاق موجة ثالثة من «الثورة»، إزاء ما تسميه تعنت المجلس العسكري الانتقالي في تسليم السلطة لحكومة مدنية، وعدم جديته في التعامل مع مرتكبي «مجزرة» فض العصيان.
وفي أثناء ذلك، حمّل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجلس العسكري المسؤولية عن أعمال العنف، ودعاه لوقفها على الفور.
إقرأ أيضـــا: "العسكري" السوداني يقع في "الفخ" ويعِد بإعدام قاتلي المتظاهرين والبشير يخضع للمحاكمة
وفيما ظل التوتر يتصاعد في البلاد باطراد، بعد أحداث فض الاعتصام من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، أجرى رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، زيارة سريعة إلى تشاد، التقى فيها الرئيس التشادي إدريس ديبي.
وذكر عبد المنعم عثمان البيتي، مدير الإدارة العامة للشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية، أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي قدم تنويراً للرئيس ديبي حول تطورات الأوضاع على الساحة السودانية، والجهود المبذولة لتحقيق التوافق بين القوى السياسية، موضحاً أن الرئيس التشادي أكد دعمه لهذه الجهود، متعهداً بالعمل مع الأطراف الإقليمية والدولية لدعم مواقف السودان واستقراره، وأضاف أن الجانبين أشادا بتجربة القوات المشتركة السودانية - التشادية على الحدود بينهما، ودورها المهم في تأمين حركة المواطنين بين البلدين، وتسهيل الحركة التجارية والاقتصادية بينهما.
ونقلت وكالة السودان للأنباء (سونا) أن زيارة البرهان لتشاد تجيء في إطار «تواصل المجلس مع دول الجوار والمحيط الإقليمي، لتهيئة الأجواء السياسية للدخول في المرحلة الانتقالية، والانتقال السلس إلى الحكومة المدنية».
وبحسب الوكالة الرسمية، فإن نائب البرهان، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وعدداً من أعضاء المجلس العسكري الانتقالي والمسؤولين، كانوا في وداعه واستقباله في مطار الخرطوم أمس.
وبعد إطاحة الرئيس عمر البشير، في أبريل (نيسان) الماضي، وتولي المجلس العسكري الانتقالي السلطة في البلاد، زار البرهان معظم دول الإقليم، ومن بينها: مصر، والسعودية، والإمارات، وإثيوبيا، وإريتريا.
ويرتبط كل من السودان وتشاد بعلاقات رسمية وشعبية وثيقة، تتضمن اتفاقيات تعاون مشترك، وعلى رأسها «التعاون العسكري»، الذي أنشأت بموجبه «قوات عسكرية مشتركة» على حدود البلدين، هدفها المعلن حفظ الأمن على الحدود السودانية - التشادية.
والتقى البرهان، أول من أمس، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي زار الخرطوم. والتقى أبو الغيط أيضاً رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، وممثلي الحزب الاتحادي الديمقراطي، والحركات السياسية والمدنية السودانية. وقال بيان للجامعة إن زيارة أبو الغيط «جاءت في سياق الالتزام الكامل لجامعة الدول العربية بمساندة السودان، والوقوف معه ومع شعبه في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به، وانطلاقاً من حرص الجامعة الأصيل والثابت على أمن واستقرار السودان، وسلامة أراضيه ووحدته الوطنية، ودور السودان العروبي الفاعل في الجامعة، وفي منظومة العمل العربي المشترك».
وأكد الأمين العام أن «الجامعة كانت وستظل ملتزمة بتقديم أشكال العون والمساندة كافة للسودان، تأسيساً على المقررات ذات الصلة التي اعتمدها مجلس الجامعة على مستوى القمة، بما في ذلك في سبيل تطبيع علاقات السودان مع مؤسسات التمويل الدولية، وإعفائه من ديونه الخارجية، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتفعيل الآلية المشتركة بين الجامعة وحكومة السودان لمتابعة وتنفيذ المشروعات الإنسانية والإنمائية العربية، في دارفور ومختلف أرجاء البلاد، والتحضير لتنظيم وعقد مؤتمر عربي جامع لإعادة الإعمار والتنمية في السودان».
وأمس، وزعت «قوى إعلان الحرية والتغيير» جدولاً جديداً لأنشطتها المعارضة للأسبوع الجاري، جاء فيه: «نعلن لكم أدناه الجدول التحضيري للتصعيد الثوري حتى نهاية الأسبوع».
ويتضمن الجدول اجتماعات للجان العصيان في الأحياء، ومظاهرات ليلية في الأحياء في الخرطوم والأقاليم، للمطالبة بسلطة مدنية، وإدانة «مجازر» 3 يونيو (حزيران)، فضلاً عن عمل دعائي لاستكمال بناء لجان العصيان المدني، وتنظيم ندوات مركزية.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير، وفقاً للجدول، فتح «جدول الحضور الثوري» للتوقيع من قبل التنظيمات المهنية والمدنية والأفراد، لإعلان «التزامهم باستمرار النضال والتنظيم، والعمل الثوري، وصولاً للسلطة المدنية الانتقالية».
ويشمل الجدول المحدد له فترة أسبوع لقاءات في الميادين والأندية بالأحياء، للتنوير بمستجدات الوضع السياسي، والتهيئة للحشود الجماهيرية، ليتوج مجهود الأسبوع الخميس المقبل بوقفات احتجاجية للمهنيين والموظفين والحرفيين والعمال في العاصمة والولايات، لإدانة «مجزرة القيادة»، وارتداء «الشريط الأزرق».
وابتكرت قوى إعلان الحرية والتغيير فكرة «جداول الاحتجاج الأسبوعية»، واستخدمتها بنجاح في قيادة وتنظيم للاحتجاجات والمواكب والمظاهرات ضد نظام المعزول عمر البشير، ولقيت استجابة شعبية واسعة، توجت بإعلان المجلس العسكري الانتقالي عزله وتنحيته بعد ثلاثين سنة من الحكم.
وقال «تجمع المهنيين السودانيين» الذي يشكل رأس رمح قيادة الحراك الثوري، على صفحته في «فيسبوك»، إن عدداً من أحياء الخرطوم استبقت جدوله، وخرجت في مظاهرات هادرة تطالب بنقل السلطة للمدنيين، مطلقة «الموجة الثالثة» من الاحتجاجات.
وأوضح التجمع أن المواكب الاحتجاجية تجددت في «شارع الستين» بشرق الخرطوم الذي شهد مظاهرات انطلقت فجراً، واستمرت حتى الصباح، فيما طافت مواكب هادرة أحياء جبرة والصحافة جنوب الخرطوم، بجانب مظاهرات في حي «بري» الذي كان من أشرس أحياء الخرطوم في تنظيم الاحتجاجات المناوئة لنظام البشير.
وجاء في بيان قوى الحرية والتغيير أنهم يعملون على موجة ثالثة من الثورة السودانية، وقال: «تنتظم من جديد خطى ثورتكم الظافرة في المدن والقرى والأرياف، مجددين العهد لشهدائنا الكرام الذين احتقروا الموت، فعاشوا فينا أبداً».
وتعهد قادة الحراك باستلهام «كل وسائل ثورتنا الباقية المجيدة، وتعود جداول نشاطنا الثوري، بأمر شعبنا وترتيبه، فما كان لنا أن نبادر إليها، إلاّ بالتنسيق اللازم ورص الصفوف»، وتابع: «الثورة مد وجزر، ننهض الآن لننتصر بسلميتنا من جديد، نتم مهامنا الهادفة، لا نكوص عنها، مدنية هدفنا و(ماها بعيد)».
وقادت قوى إعلان الحرية والتغيير تفاوضاً مارثونياً مع المجلس العسكري الانتقالي، امتد منذ عزل البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي، وتوصلت خلاله إلى اتفاقات قضت بتكوين حكومة كفاءات مدنية انتقالية من قبلها، وحازت على تمثيل نسبته 67 في المائة من المجلس التشريعي الانتقالي، بيد أن الطرفين فشلا في الاتفاق على المجلس السيادي.
وتدهورت الأوضاع في البلاد عقب فض المجلس العسكري الانتقالي للاعتصام المقام أمام القيادة العامة للجيش السوداني، باستخدام القوة المفرطة، مما أدى لمقتل 61 محتجاً، وجرح وإصابة المئات، بحسب مصادر رسمية.
وإثر ذلك، نظمت قوى إعلان الحرية والتغيير عصياناً مدنياً وإضراباً سياسياً شل الحياة في البلاد لمدة 3 أيام، أعقبه إعلان رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقف التفاوض، وإلغاء الاتفاقات المبرمة بينه وبين قوى الحرية.
ووصلت الأوضاع بين الطرفين إلى طريق مسدود، قبل أن يتدخل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بوساطة أفريقية، اقترح خلالها العودة للتفاوض من النقطة التي توقف فيها.
ورفضت قوى الحرية التفاوض المباشر مع العسكري، مشترطة تكوين لجنة تحقيق دولية في أحداث فض الاعتصام، وإعادة انتشار القوات العسكرية خارج المناطق المدنية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، واعتراف المجلس بارتكاب المجزرة.
وأعلن المجلس العسكري رفضه لمعظم شروط الحرية والتغيير، وأبلغ مبعوث رئيس الوزراء الإثيوبي ومبعوث الاتحاد الأفريقي، للمرة الثانية، تراجعه عن الاتفاقيات المبرمة بينه وبين قوى الحرية والتغيير، فاضطر الأخير للعودة لأديس أبابا للتشاور مع رئيسه، ولم يعد حتى الآن.
ومنذ فض الاعتصام، يواجه المجلس العسكري الانتقالي ضغوطاً إقليمية ودولية متصاعدة لدفعه لتسليم السلطة لحكومة مدنية، ومن بينها أن الخرطوم استقبلت الأسبوع الماضي كل من مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية تيبور الناغي، ومبعوث الإدارة الأميركية للسودان دونالد بوث، وأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، إلى جانب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذين طلبوا من المجلس العسكري الانتقالي تكوين لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في أحداث فض الاعتصام، والعودة للتفاوض، وتسليم السلطة للمدنيين.
من جهة أخرى، دعا الاتحاد الأوروبي الخرطوم لوقف أعمال العنف والاعتقالات ضد المدنيين، وحمّل السلطات الحاكمة حالياً المسؤولية كاملة عن الهجمات ضد المدنيين في الثالث من يونيو (حزيران) الجاري.
وبحسب بيان منشور في موقع الاتحاد الأوروبي على الإنترنت أمس، فإن وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد بحثوا في أثناء انعقاد اجتماع وزراء الخارجية في لوكسمبورغ الأوضاع المتوترة في السودان، ومطالب السودانيين بالديمقراطية والتعددية السياسية والتنمية.
وأدان البيان بشدة الهجمات العنيفة التي أدت لمقتل وجرح كثير من المتظاهرين المدنيين المسالمين، وقال: «الواضح أن المجلس العسكري الانتقالي يتحمل المسؤولية لكونه السلطة الحاكمة المعنية بحماية المواطنين».
ودعا الاتحاد لوقف جميع أعمال العنف ضد الشعب فوراً، بما في ذلك القتل خارج القضاء، والإعدام دون محاكمة، والضرب والاعتقالات والإخفاء القسري، وإطلاق سراح المعتقلين في أثناء الأحداث، فضلاً عن رفع القيود على حرية التجمع ووسائل الإعلام والفضاء المدني والوصول لخدمة الإنترنت.
قد يهمــــك أيضـــا:
الرئيس السوداني المعزول يرد على تهم بالفساد في أولى جلسات محاكمته
اقتياد عمر البشير إلى مكتب النيابة في أوَّل ظهور له منذ الإطاحة به
أرسل تعليقك