القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
عاد الجدل في شأن حقيقة مصير "القدس الموحدة" إلى الواجهة، بالتزامن مع مرور العام الخمسين لاحتلال القدس الشرقية وضمها بموجب قانون إسرائيلي إلى الغربية، غداة زيارة الرئيس دونالد ترامب المدينة وحديثه عن العلاقة التاريخية بينها وبين الشعب اليهودي.
وأقرت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن الأوضاع التي آلت إليها المدينة المحتلة وبلداتها المجاورة قاسية في مجالات الحياة كافة، من افتقار إلى الخدمات العامة في الأحياء من شبكات الصرف الصحي وغرف تدريس كافية وملائمة وتراخيص بناء، وبالتالي عمليات هدم المنازل المتلاحقة، كل هذا فضلاً عن حقيقة أنهم رغم ضمهم رسمياً إلى إسرائيل فإنهم، أكثر من 300 ألف فلسطيني، لا يُعتبرون مواطنين إذ حمّلتهم إسرائيل بطاقة إقامة.
ويرى أستاذ الهندسة المعمارية البروفسور يوسف جبارين أن "الوحدة تمت فقط من خلال سلب غالبية أراضي الفلسطينيين وتوحيدها مع أراضي القدس الغربية وزرع مستوطنات عليها حتى أضحت القدس الشرقية ثنائية القومية في شكل واضح ومطلق، بل مع غالبية يهودية (57 في المئة).
واعتبر جبارين أن ما شهدته القدس من تغيير معالم تاريخية كان بفعل مخطط إسرائيلي واضح المعالم هدف إلى إعادة صوغ تاريخ المدينة عبر إنتاج أسطورة أورشليم القديمة واستحضارها بهدف ترسيخ تحويلها إلى عاصمة إسرائيل الأبدية وحسم الحالة الديموغرافية والجيوسياسية للقدس الشرقية بغية منع إقامة عاصمة فلسطينية. وأشار إلى أن الأحياء والمستوطنات تمزق استمرارية الوجود الفلسطيني وتمنعه من خلق مدينة فلسطينية منسجمة عضوياً ومتلاصقة، وعليه تحولت القدس الشرقية إلى كانتونات منفصلة ومبعثرة في أنحاء الجهة الشرقية من القدس، مضيفاً أن ما تبقى أمام سكان القدس هو المسكن والصراع على الحوض المقدس والبلدة القديمة والحرم الشريف والرواية التاريخية، مضيفاً أنه لن تكون ممكنة إقامة عاصمة فلسطينية مستقلة في القدس الشرقية ما لم يفكك الاستيطان.
من جهته، وزير شؤون القدس سابقاً حاييم رامون سخر من الادعاء بأن القدس موحدة، معتمداً على معطيات دائرة الإحصاء المركزية التي تفند كل الأكاذيب عن أنها موحدة. وتطرق في مقال نشره إلى قلقه من مستقبل المدينة وفقدانها الطابع اليهودي، إذ أصبحت أكثر فلسطينيةً من كونها يهودية (40 في المئة من سكانها الـ833 ألفاً من العرب)، وأقل صهيونية وأقل ثقافة، فضلاً عن أن 35 في المئة هم من اليهود المتدينين المتزمتين (الحريديم) المناوئين للصهيونية، وثمة أقلية من اليهود العلمانيين الذين يواصلون مغادرة المدينة بالآلاف سنوياً.
وتساءل رامون: هل توجد عاصمة أخرى في العالم 40 في المئة من سكانها ليسوا مواطني دولتها. وبتأخير كبير، يقرّ أن مرد الواقع القمعي والتراجيدي الذي يعيشه المقدسيون هو قرار ضم سكان 22 حياً وبلدة فلسطينية في ضواحي القدس الشرقية إلى القدس الموحدة عام 1967. وتابع متهكماً: كيف لنتانياهو ورئيس بلدية القدس أن يتحدثا عن احتفالات يوم القدس الموحدة في وقت يستثنى أكثر من 200 ألف إنسان في 22 بلدة ومخيماً فلسطينياً خرج منها منفذو عمليات الطعن والمسلحون الذين لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من القدس الموحدة. ورأى أنه يتحتم على صناع القرار الاعتراف بخطأ أسلافهم قبل خمسين عاماً والانفصال عن هذه البلدات لتعود إلى الضفة الغربية، فيأتي الخلاص للقدس اليهودية وتتعزز مكانة إسرائيل الدولية.
أرسل تعليقك