غزة ـ محمد حبيب
يسيطر قلق شديد على عائلات غزية فقدت التواصل مع أبنائها الذين كانوا يحاولون الهجرة بطريقة غير شرعية إلى دول أوروبية فيما بات يعرف بـ "قوارب الموت"، في ظل غياب المعلومات الدقيقة عن مصيرهم من جهة، وتزايد المعلومات المتضاربة حول غرق قوارب هجرة في قبالة سواحل دول جديدة من جهة أخرى.
فيما أعربت الحكومة الفلسطينية الثلاثاء عن ألمها العميق لحادث غرق قارب قبالة سواحل الإسكندرية وحادث غرق قارب آخر قبالة سواحل أيطاليا، واللذان أديا إلى وفاة عدد من المواطنين الفلسطينيين.
وحذرت الحكومة المواطنين من عمليات النصب والاحتيال التي تقوم بها بعض الجهات المشبوهة لترغيب المواطنين في قطاع غزة بالهجرة غير الشرعية إلى خارج القطاع في رحلات محفوفة بالكثير من المخاطر.
ولم يستطع المواطن اسعد الجرف النوم منذ ايام قلقا على مصير ابنه هشام الذي كان على متن احدى سفن الموت التي غرقت قبالة سواحل الاسكندرية الاربعاء الماضي.فالوالد المكلوم لا يزال ينتظر اتصالا هاتفيا يحدد مصير نجله رغم تضارب الانباء حول مصيره.
"هشام الجرف" واحد من بين عشرات الشباب الذين سارعوا الى الهجرة من قطاع غزة بطريقة غير شرعية من خلال عصابات التهريب التي تعمل على ختم جوازاتهم بأختام مزورة وتمكنهم من التنقل من رفح المصرية الى ميناء الاسكندرية مقابل مبالغ مالية باهظة.
طريق الهجرة يبدأ بحسب الوالد من احد الانفاق التي تربط غزة بمصر ويقوم المهربون بتهريبهم مقابل مبلغ من المال وبعد ذلك يتم تجميعهم في مراكب صغيرة ويتم نقلهم الى مراكب كبيرة في عرض البحر مبينا ان ثمن وصول هشام الى القارب كان 3500 دولار.
وعن الاسباب التي دفعت هشام الى الهجرة اكد الوالد ان ظروف الحرب والحصار الذي يعاني منه قطاع غزة وارتفاع معدلات البطالة وضيق الافق لهشام وغيره من الشباب وعدم قدرته على رسم مستقبله في غزة وغيرها متن الاسباب هي التي دفعته الى التفكير بالهجرة.ويقول الوالد ": لم نتوقع الحادث وان تكون الرحلة بهذه الخطورة".
واتهم اسعد جهات تقف خلف تعمد قتل المهاجرين عبر اغراق قواربهم في عرض البحر قائلا:"بعد ان تبحر السفينة لحوالي 300 الى 500 كليو في عرض البحر يتم تخريب القارب ".
وحسب احصائيات غير مؤكدة فإن نحو الف فلسطيني من سكان قطاع غزة بينهم عائلات كاملة هاجرت منذ الحرب على غزة وكانت وجهتهم ايطاليا وبلجيكا والنرويج والسويد.
وما يزيد من صعوبة التعرف على هويات الضحايا قيامهم بتمزيق اوراقهم الثبوتية بعد ركوبهم البحر وذلك لمنع اعادتهم الى بلدانهم الاصيلة.
منظمة الهجرة العالمية أصدرت اليوم بيانا قالت فيه إن عدد المفقودين في غرق سفينة مهاجرين غير شرعيين في البحر الأبيض المتوسط الأسبوع الماضي قد يصل إلى 500 شخص، وهؤلاء الضحايا هم من السوريين والفلسطينيين والمصريين والسودانيين.
ونقلت المنظمة عن فلسطينيين ناجيين كانا على متن القارب الغارق إن المهربين قد اغرقوا القارب عمدا.والبيان يتحدّث كما هو واضح عن المركب الذي سرد تقرير معا المعلومات بشأنه.
وتبدي عائلات غزية قلقاً متزايداً على أبنائها الذين يستعدون لخوض غمار رحلة الموت في عرض البحر المتوسط، خلال الأيام المقبلة، خصوصاً في ظل رفضهم العودة إلى غزة، رغم المخاطر التي تحدق بحياتهم، وسماعهم عن غرق العشرات ممن سلكوا نفس الطريق.
وذكرت مواطنة غادر زوجها وابنها البكر غزة قبل أسبوعين، انتظاراً لدورهم في سفن الهجرة غير الشرعية، أنها فشلت في إقناعهم بالعودة إلى القطاع، رغم بكائها وأبنائها لهم عبر الهاتف، وتدخل أقاربه.
وقالت وهي تبكي "قال زوجي لي، باختصار يجب أن تتغير حياتنا، ولن أبقى صامتاً في غزة وأنتم لا تجدون طعامكم، سنسافر إلى أوربا مهما كان الثمن".
وأضافت "تمضي علينا هذه الساعات والأيام بصعوبة بالغة، وكل يوم أطفالي يسألوني عن أبيهم وشقيقهم، ولا أعرف كيف أرد، الأهم أن يجتازوا هذه الرحلة بسلام".
ورغم أن حالة هذه الزوجة تتعلق بهجرة زوجها بحثاً عن مصدر رزق، لكن اللافت في حالات أخرى أن بعض من ركبوا قوارب الموت، يعيشون في حالة اقتصادية ميسورة، وليسوا بحاجة إلى مال أو عمل، لكنهم حسب ما يقول أقاربهم يبحثون عن الاستقرار والأمان.
كما باءت محاولات الحاج أبو أحمد (فضل عدم ذكر اسمه) من خان يونس جنوب القطاع، بالفشل في التواصل مع ابنه وابنته وزوجها، الذين وصلوا إلى ليبيا خلال فترة الحرب، في طريقهم للهجرة إلى السويد، قبل يومين من إبلاغه بأنهم سيغادرون ليبيا على متن قارب خلال ساعات.
وعندما أعلنت البحرية الليبية أمس محاولاتها، انتشال العشرات من المهاجرين غير الشرعيين من قارب غرق بعد انطلاقه من الشواطئ الليبية بقليل، زادت حالة التوتر لدى أبو أحمد وزوجته قلقاً على أبنائه، متخوفاً من أن يكونوا على السفينة الغارقة، بالربط بين آخر اتصال هاتفي معهم خلال مغادرتهم مكان سكانهم وبين غرق السفينة.
وقال أبو أحمد : "لا أعرف لمن أتوجه، وكل من أعرفهم في ليبيا يعجزون عن تأكيد بقائهم على قيد الحياة أو موتهم غرقاً في البحر".
وأضاف "لا أحد يستطيع النوم من العائلة، ونحن نتابع وسائل الإعلام ليل نهار، حتى نطمئن دون فائدة، الأصل في المسؤولين بالسلطة أن يتابعوا أبناءنا ويطمئنونا جميعاً".
وإذا كانت الهجرة في وقت سابق تقتصر على بعض الشباب غير المتزوجين، فإن الأشهر القليلة الماضية، شهد هجرة لعائلات بأكملها، بينما يتصاعد الحديث عن رغبة آخرين في سلوك نفس الدرب، للخروج مما يصفونه بحياة الموت في غزة.
أرسل تعليقك