حين أتتني الدعوة من منارة الثقافة الكرمية السيدة سوسن عبد الحليم لحضور ندوة تحت عنوان (الكاتب في مواجهة الناقد) شددت الرحال من ربى عمَّان عاصمة الأردن الجميل متجها إلى مدينة طولكرم زهرة شمال الضفة الفلسطينية حيث رحاب جامعة القدس المفتوحة في الربى الكرمية التي تسكن مني الروح والقلب، إضافة أن موضوع الندوة والأسماء التي ستتحدث به لها أهميتها ووجودها في فضاءات النقد والأدب والشعِر، بجانب الدور الأكاديمي للبعض منهم في الجامعات الفلسطينية.
بدأت الندوة التي كانت تحت رعاية الدكتور يونس عمرو رئيس الجامعة والتي نسقتها ونظمتها ودعت لها سناء التاية أستاذة النقد العربي في الجامعة، وبحضور كبير زاد عن حجم القاعة من الشعراء والكتاب والمثقفين والمهتمين والطلاب، بكلمة ترحيبية من الدكتور سلامة سالم مدير فرع الجامعة في طولكرم، حيث رحب بالحضور وأعرب عن سعادته بهذا الحضور من كافة أرجاء الوطن، سواء من العمق الفلسطيني المحتل عام 1948 أو الضفة، مبدياً الرغبة بأن يتم عقد المزيد من هذه الندوات من أجل نشر الوعي النقدي وتطوير العلاقة بإيجابية بين الناقد والكاتب، ثم قدم الأستاذ الدكتور حسان الديك استاذ الأدب والنقد في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس ليفتتح الندوة بمداخلته، وقد اشار في مداخلته أن العلاقة بين الكاتب والناقد يجب أن تكون علاقة تكاملية وليست علاقة تناقض وتناحر وعداء، وتحدث عن الأزمة بين الكاتب والناقد وأشار أن سوء العلاقة أدى لضعف الحركة النقدية وبالتالي تدفق الكثير من الكتابات الركيكة، دون أن تجد من يقف في وجه هذا السيل من الضعف والرداءة، وقد أكد أن من مهمات الناقد أن يكون استفزازيا في علاقته مع الكاتب وتفسير أعماله والإشارة إلى مستواها، لكن بموضوعية وليس عدائية.
ثم تحدث الأستاذ الدكتور فاروق مواسي وهو ناقد وكاتب وشاعر وله عدد كبير من المؤلفات، وهو يعمل في أكاديمية القاسمي في باقة الغربية المحتلة منذ عام 1948، وتحدث عن تجربته ككاتب مع النقاد وكيف واجه خروج النقد عن الموضوعية والوصول لحد الإساءة الشخصية، وتجربته كناقد مع الكُتاب وكيف كان يواجه الهجوم والإساءة من بعضهم، فقلة من يتقبلون النقد، وأكد أيضا على ضرورة العلاقة الإيجابية بين الطرفين لمصلحة الأدب والإبداع، وأنه دون هذه العلاقة الإيجابية فنحن سنسير باتجاه الهاوية.
وتحدث الدكتور نادر قاسم وهو رئيس قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية عن السلبية بين الناقد والكاتب، فبعض النقاد يريدون أن يكونوا المعلمين على الكُتاب، وفي نفس الوقت نجد معظم الكُتاب لا يتقبلون النقد أبدا، إضافة أن بعض الكُتاب والكاتبات يسوقون أنفسم بطريقة خاطئة من خلال الإلحاح بأن يكتب عنهم، وهذا أدى لسلبية العلاقة بين الطرفين.
الدكتور مسلم محاميد وهو شاعر وكاتب أيضا تحدث عن التبادلية بين الكاتب والناقد ليس من ناحية فردية، ولكن كظاهرة يجب أن تكون حميمية لدرجة كبيرة، كما انتقد ابتعاد الأكاديميين والمتخصصين بخاصة في الجامعات الذين يتركون الجرائم الأدبية التي ترتكب من كُتاب وشعراء بدون متابعة وتعرية، كما أكد على أن انحدار الذائقة الأدبية أدى إلى انحدار الحركة الأدبية والنقدية، كما اشار إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي بانتشار الأدب المنحدر، وأن فتاة تضع عبارة بلا معنى على صفحتها تجد اللهاث خلفها والمديح و(اللايكات) بكثافة، بينما شاعر أو كاتب مبدع لا يجد من يهتم به، إضافة إلى دور الإعلام بنشر وإعلاء أسماء لا تستحق.
الأستاذة سناء التايه أستاذة النقد العربي في الجامعة ومنظمة ومنسقة الندوة تحدثت عن حجم انتشار النصوص الركيكة والكتب التي تنتشر لمجرد أن صاحبها يمتلك مبلغا ماليا، فيطبع ويعطي نفسه صفة الكاتب والشاعر بدون رقيب ولا حسيب، وأيضا لجوء بعض النقاد إلى زرع النرجسية في أرواح كُتاب وكاتبات، من خلال المديح ويلجأون للانطباعية والشخصنة، وهذا أدى لفقدان الثقة بين الكاتب والناقد، علما أن الكثير من الأعمال ليست أكثر من فقاعة صابون تتلاشى بسرعة، والناقد يجب أن يكون صاحب مسؤولية أخلاقية، كما قالت:
(أن انكماش الحركة النقدية الإبداعية أدى إلى قلة الأعمال الإبداعية الحقيقية، وهذا أدى إلى نشر نصوص سطحية تعاني من الركاكة والضعف، من التحديات التي يواجهها الناقد بعضها يتعلق بالكاتب الذي لا يخفي عداءه للناقد ولا يتوقف عن مهاجمته واعتباره عالة على الإبداع، فالمشكلة الكبرى تتمثل في عدم تقبل الكاتب للنقد الاحتفالي. وتأثر أحكام الناقد بعلاقته الشخصية بالأديب فتصدر أحكامهم ذاتية بلا منطق من خلال إبراز جماليات يفتقدها النص من باب المجاملة.. لذا رأينا بعض الأعمال الأدبية التي انبرى لها البعض بالتطبيل والتزمير وأشادوا بكتابها مبشرين وسائل الإعلام بأنهم أصحاب أقلام و اعدة.
فدور الناقد الصراحة وعدم المجاملة، وفي إبراز الأدباء الحقيقيين ومحاربة ظاهرة التسلق على النقد والأدب كضرورة وعدم اللهاث خلف نصوص لا قيمة لها، وضرورة محاربة الكتاب المأجورين وتنظيف الساحة الأدبية، لأن المسؤولية أخلاقية أمام المتلقي، والناقد الذي يجامل يكون قد اسهم بنشر منشورات لا تستحق أن تنشر أو تشهر).
كما تحدثت الشاعرة والباحثة إيمان مصاروة وأشارت أن سلبية العلاقة بين الناقد والكاتب ناتجة عن أن هناك نقاد مغرورين وكُتاب لا يتقبلون، وان هذا جعل بعض النقاد يسيئون للكتاب والشعراء، وخاصة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي. والناشطة أسمهان جبالي تحدثت أن المشكلة تكمن في دور النشر فهي ربحية وليست صاحبة رسالة ولا يهمها إلا الكسب المادي، كما تحدثت عن انتشار الألقاب العلمية المزورة والتستر خلفها، كما تحدثت عن دور الإعلام من ناحية ضرورة أن يبحث عن الحقيقة قبل النشر وأن لا يكون مطية لأدعياء الأدب وأيضا أدعياء النقد.
ثم تم فتح المجال للمداخلات فتحدث الأستاذ منتصر الكم مدير عام وزارة الثقافة في مديرية طولكرم، ودافع عن دور الوزارة وأنها حين تدعم طباعة كتاب فلأن الكتاب حظي على موافقة اللجنة المتخصصة، وأن الوزارة داعم وليس ناشر، ثم تحدث الشاعر محمد علوش وطالب الدكاترة والمتخصصين والنقاد ضرورة إيلاء الجيل الشاب الأهمية والأخذ بيدهم، وتحدث الكاتب والناقد التشكيلي والاعلامي زياد جيوسي وقال: النقاد ثلاثة أصناف، الأول يريد أن يحطم العمل الابداعي، والثاني يريد تحطيم صاحب العمل، والثالث يبحث عن جماليات وقوة النص ويتحدث عنها بموضوعية، ويشير للسلبيات ونقاط الضعف بهدوء ودون شخصنة وبدون اساءة، فليس هناك عمل إبداعي مقدس خارج اطار النقد، ولكن على أن يكون النقد موضوعيا، وطالما أن العمل الابداعي خرج من صاحبه ونشر، فهو أصبح ملكا للقارئ واستشهد بمقولة تقول: العمل الإبداعي يأتي ميتا ويأتي القارئ الناقد ليحييه.
وقال: عانينا أن الكل يريدون أن يصبحوا شعراء، والآن نجد (موضة) الرواية تنتشر، فأصبح عدد كبير من الشعراء يتجهون للرواية، وأيضا لصوص النصوص والتلاص وأصحاب ادعاء الأدب يصدورون روايات تفتقد اصول وقواعد الرواية، وكل بناء يقوم على الرمل سينهار فالزبد يذهب هباء ولا يتبقى الا الدر، وتحدث عن لهاث كاتبات وكتاب خلف النقاد والاعلاميين بطريقة معيبة ليكتبوا عنهم، وبكل اسف هناك من يكون ذئب عجوز يستغل ذلك للكسب المادي أو اشياء أخرى، وقال أن المعظم يريد المديح ولا يريد النقد واستخدم المثل الفلسطيني الشعبي: (إحنا مثل حاكورة البصل، كلنا روس ما فينا ولاكنارة).
وتحدثت الناشطة الثقافية والاجتماعية السيدة سوسن عبد الحليم ورحبت بالحضور والضيوف، وتحدثت وأشارت إلى أن الندوة بحثت في العلاقة بين الكاتب والناقد وتم نقد النقاد، فالسؤال الآن ماذا سيكون بعد نقد النقد، وهل سنخرج من هنا بدون أن تتواصل الندوات للوصول إلى أسس يجري التعامل من خلالها؟ الندوة امتدت أكثر من الوقت المقرر لها، فتحدثت الأستاذة سناء التايه وشكرت الحضور والجمهور وإدارة الجامعة على دعمها واهتمامها، وقالت إننا سنعتبر هذه الندوة بداية لسلسلة من الندوات لعلنا نتمكن من رفع المستوى الثقافي والنقدي وحماية مكتسباتنا الثقافية في مواجهة هذا السيل من الإنتاجات التي تخرب ولا تعمر.
أرسل تعليقك