القاهرة - فلسطين اليوم
كتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج مقالا صباح اليوم في صحيفة المدينة بمناسبة الدورة الـ 9 من مهرجان المسرح العربي الذي انطلقت فعالياته الثلاثاء الماضي روى خلاله قصة أحد محمد بودية المسرحيين الجزائريين الذين أثروا الحركة الفنية هناك وانتهى مشواره الفني باغتياله على يد الموساد الإسرئيلي بسبب تأييده الصارم للفلسطينين في صراعهم مع الاحتلال الصهيوني.
ووصف الأعرج بودية في مقاله أنه مسرحي وضع قضايا شعبه وأمته في المقدمة؛ وتابع: "ليست قصة محمد بودية في النهاية إلا اختزالا لتاريخ نسي حتى أصبح بياضا مبهما فأخطر ما يصيب التاريخ من ضرر هو الانتقائية والذاتية، وتحوله إلى مزاج فردي أو سياسي"
وأضاف: "لا أحد من الذين عاصروا محمد بودية يجهل قيمته الثقافية وحضوره إبان حرب التحرير أو بعد الاستقلال؛ فقد عيّن مديرًا للمسرح الوطني في سنة 1963، قبل أن يُكلِّفه انقلاب العقيد هواري بومدين ضد ابن بلا في 1965، السجن والمنفى وفقدان الثقة، ويكلفه انتماؤه للثورة الفلسطينية حياته، إذ اغتيل في باريس من طرف الموساد".
وروى الأعرج مسيرته حيث قال أنه ولد يوم 24 فبراير 1932 في باب الجديد في الجزائر العاصمة؛ وأن حبه للفن والمسرح جعله يلتحق في سنة 1954 بالمركز الجهوي للفنون الدرامية؛ هاجر في عز الثورة، إلى فرنسا وانضم إلى فيدرالية جبهة التحرير؛ ألقي عليه القبض وهو يحاول تفجير أنابيب النفط في مرسيليا يوم 25 أغسطس 1958، فحكم عليه بالسجن لمدة عشرين عامًا قبل أن يهرب في 1961 ويلتحق برفاقه في تونس؛ هناك أنشأ فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني؛ بعد الاستقلال كان من الذين بادروا بإنشاء المسرح الوطني وأعطوه حضورا حقيقيا في الحياة الثقافية".
وأكد ان بودية كان من أنصار مسرح وطني ملتزم يلعب دورا تكوينيا وحيويا مثلما هو الحال في الدول الاشتراكية، وقد صبغ هذا التوجه المسرح الوطني في عمومه ولم يتخلص من لمسة بودية السياسية إلا في السنوات الأخيرة خلال إدارته للمسرح الوطني ظل مناصرا لكل حركات التحرر الوطني.
وأضاف إن بودية في يوم 28 ديسمبر 1964 قد بعث برسالة احتجاج من أجل إطلاق سراح الشاعر كارلوس لغريزو المدان من طرف محكمة عسكرية خلال دكتاتورية فرانكو؛ كما أنه كان صاحب المبادرة الرمزية التي قرر بموجبها تخصيص مداخيل الموسم الصيفي للمسرح عام 1964، دعمًا لكفاح الشعب الفلسطيني.
وتابع: "لكن علاقة محمد بودية المباشرة والجدية بالقضية الفلسطينية بدأت في كوبا، خلال لقائه بوديع حداد، المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ وبعد هذا اللقاء وضع خبرته النضالية في خدمة النضال الفلسطيني ثم عاد إلى باريس في مطلع السبعينيات بصفته قائدا للعمليات الخاصة للجبهة الشعبية في أوروبا، متخذا اسما حركيا جديدا: أبو ضياء.
وأشار إلى أن أول عمل قام به هو التنسيق مع الجماعات اليسارية الأوروبية؛ فقد كان المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينيات؛ وفي أعقاب هذه العمليات التي انتهت بحمام دم، أمرت غولدامائير الموساد بتنظيم عمليات اغتيال قيادات فلسطينية في جميع أنحاء العالم، وكان محمد بودية يعلم جيدًا أنه كان مستهدفا، وعلى الرغم من حرصه، فقد وصلته يد القتلة بزرع لغم تحت مقعد سيارته، الرونو 16 الزرقاء اللون التي كان يملكها، وذلك في صباح 28 يونيو 1973 أمام المركز الجامعي لشارع فوسي برنار في باريس.
واختتم الأعرج مقاله قائلًا: ماذا بقي اليوم من هذا الرجل الذي حاول تجسيد فكرة المثقف العضوي الذي يخرج من مسرحه ليندمج في القضايا العامة سواء كانت وطنية أو إنسانية؟ ماذا بقي من خيار العنف لمجابهة الظلم؟.
أرسل تعليقك