العالم الطبيب " أبو بكر محمد بن زكريا الرازي " من أعظم أطباء الحضارة الإسلامية، وطبيب الدولة العربية الأول، وأحد مؤسسي علم الكيمياء الحديثة، برز في جميع فروع العلوم، وقدم للبشرية مؤلفات عظيمة في الطب، والكيمياء والرياضيات، والأدب وغيرها، وقد ظلت مؤلفاته- خاصة في مجال الطب- مرجعًا أساسيًّا للأساتذة والدارسين على مدى قرون عديدة.
كان " أبو بكر الرازي " رجلاً رقيقًا، كريمًا، سخيًّا، بارًّا بأهله وأصدقائه ومعارفه، عطوفًا على الفقراء والمحتاجين يعالجهم دون أجر، ويتصدق عليهم من ماله الخاص فقد كان ثريًّا واسع الثراء، كما كان يجتهد في علاجهم بكل ما أعطاه الله من علم.
وقد كان "الرازي" يراعى تعاليم الإسلام وحرمة جسم الإنسان في بحوثه وتجاربه, فكان يقوم بعمليات التشريح وتجريب الأدوية على الحيوان أولاً قبل أن يوصفها للإنسان، ومع ذلك فكان رفيقًا بالحيوان أيضًا، فقد وصف كثيرًا من الأدوية التي تعالج كثيرًا من الأمراض التي تصيب الحيوانات .
ولد "أبو بكر الرازي" نحو سنة (250ﻫ = 864م) بمدينة "الري" بإيران حاليًّا، وبدأ في طلب العلم في سن مبكرة فدرس الرياضيات والفلك والكيمياء، والمنطق، وعرف منذ صغره بالذكاء والنبوغ والتفوق، فكان يحفظ كل ما يقرؤه أو يسمعه بسرعة مذهلة.
رحل إلى مدينة "بغداد" عاصمة العلوم والثقافة عندما بلغ الثلاثين من عمره، فدرس الكيمياء، والفلسفة، لكنه اهتم كثيرا بدراسة الطب، وكان أستاذه في هذا المجال الطبيب "أبو الحسن على بن سهل الطبري"، وظل "الرازى" في "بغداد" ينهل العلم من نبعه الصافي ومورده العذب حتى عاد إلى بلده مرة ثانية فأسند إليه رئاسة "بيمارستان" (مستشفي) مدينة "الري"، ولم تمر على "الرازى" في هذا المنصب الكبير فترة طويلة حتى بلغت شهرته الآفاق، فاستدعاه الخليفة العباسى "عضد الدولة بن بويه" إلى "بغداد"، وأسند إليه رئاسة "البيمارستان العضدى" فأداره بمهارة واقتدار.
ومضت الأيام والسنون، وأصبح "الرازي" شيخًا للأطباء في زمانه، كما أتقن علم الكيمياء، وتفوق في الجانب التطبيقى لهذا العلم حتى أصبح من أبرز الصيادلة المسلمين على الإطلاق .
يعد "أبو بكر الرازي" من أعظم الرواد الأوائل الذين قدموا للبشرية خدمات عظيمة النفع خاصة في مجالات : الطب، والكيمياء، والصيدلة، والفيزياء ما زالت آثارها الجليلة باقية حتى اليوم .
1- مجال الطب والصيدلة :
- أول من صنع مراهم الزئبق .
- أول من ابتكر خيوط الجراحة .
- أول من أدخل التركيبات الكيميائية في الطب .
- أول من ابتكر وضع الفتيلة المعقمة في الجروح، وتغييرها من يوم إلى يوم .
- أوائل الأطباء الذين اهتموا بالعدوى الوراثية، حيث أرجع بعض الأمراض إلى الوراثة.
- أول من فرق بين "الجدري" و"الحصبة"، وقدم وصفًا دقيقًا لهذين المرضين، وأعراض كل منهما.
- أول من جرب الزئبق وأملاحه على القرود ليدرس مفعوله في أجسامها، وهو بذلك يعد من رواد البحث التجريبى في مجال الطب إذ كان يقوم بعمل تجاربه عن الأدوية على الحيوانات أولاً، ثم يلاحظ تأثيرها فيها، فإذا عالج المرض طبقه على الإنسان .
- وكان من أوائل الأطباء الذين اهتموا بأثر العوامل النفسية في علاج المرضى، وكان يوصى تلامذته بأن يوهموا مرضاهم دائمًا بالصحة والشفاء فكان يقول : (ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبدًا بالصحة، ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فخراج الجسم تابع لأخلاق النفس) .
- واعتمد "الرازي" عدة وسائل في مجال علم الطب "الإكلينيكي" (أي السريري)؛ ذلك العلم الذى يهتم بمراقبة حالة المريض في سريره، وتسجيل ما يحدث له من أعراض أو تغيرات في سبيل التوصل إلى تشخيص المريض تشخيصا صحيحاً.
- ومن الوسائل التي اعتمدها "الرازي" : مراقبة ما يحدث من أعراض للجلد والعينين، ومراقبة النفس، والحرارة، وجس النبض، وفحص البول .
- وابتكر طريقة فريدة في اختيار أفضل المواقع لإنشاء "البيمارستانات" فكانت محل إعجاب وتقدير من الأطباء حتى يومنا هذا، وتتلخص هذه الطريقة في وضع بعض قطع اللحم في أماكن متفرقة مع ملاحظة سرعة انتشار التعفن فيها، وبطبيعة الحال تكون أنسب الأماكن من حيث نقاء الجو واعتداله هى أقلها فاعلية في انتشار التعفن في اللحم .
- نادى "الرازي" أن يكون الطب أولاً لوقاية الناس من الأمراض قبل أن يكون سبيلاً للبحث عن الشفاء والعلاج. ومن أقواله المأثورة : ( إذا كان في استطاعتك أن تعالج بالغذاء فابتعد عن الأدوية، وإذا أمكنك أن تعالج بعقار فاجتنب الأدوية المركبة ).
2- في مجال الكيمياء:
- "الرازي" مؤسس علم الكيمياء الحديثة، ويظهر فضله في هذا العلم بصورة واضحة عندما عمد إلى تقسيم المواد المعروفة إلى أربعة أقسام هي:
* المواد المشتقة.
* المواد المعدنية.
* المواد النباتية.
* المواد الحيوانية.
كما قسم المعادن إلى ست طوائف بحسب طبائعها وصفاتها .
- أول من استخلص "الكحول" بتقطير مواد نشوية وسكرية مختمرة .
- أول من ميز بين "الصودا" و"البوتاس"، وقام بتحضير بعض السوائل السامة من "روح الخل" .
- أول من ذكر حامض "الكبريتيك"، وأطلق عليه اسم زيت الزاج أو الزاج الأخضر، كما حضر في معمله بعض الحوامض الأخرى، وما زالت الطرق التى سلكها في سبيل تحضيرها مستخدمة حتى الآن .
- وكان من أوائل العلماء الذين طبقوا الكيمياء في الطب، وأثر الأدوية في إثارة التفاعلات الكيميائية داخل جسم المريض .
3- في مجال الفيزياء:
- انشغل "الرازي" بتحديد الكثافات النوعية للسوائل، وصنف لقياسها ميزانًا خاصًّا أطلق عليه اسم "الميزان الطبيعي"، ويرجع إليه الفضل في تقدير الكثافة النوعية لعدد من السوائل بواسطة هذا الميزان .
- كما يعد من أوائل العلماء الذين انتقدوا نظرية "إقليدس" القائلة بأن الإبصار يحدث نتيجة خروج شعاع من العين إلى الجسم المرئي، وقرر أن الإبصار يحدث نتيجة خروج شعاع ضوئى من الجسم المرئى إلى العين .
قضى "أبو بكر الرازي" معظم حياته بين القراءة، والتأليف، وإجراء التجارب حتى قيل إنه فقد بصره في أواخر أيامه من كثرة القراءة والكتابة، ومن كثرة إجراء التجارب الكيميائية في معمله، وقد صنف "الرازى" ثروة علمية هائلة في شتى صنوف المعرفة, وقد أحصى له بعض الباحثين منها نحو (148) مؤلفًا ما بين كتاب ورسالة، وذكر البعض الآخر أن مؤلفاته بلغت نحو (220) مؤلفًا.
وقد لقيت بعض كتبه -خاصة الطبية- رواجًا كبيرًا، ونالت شهرة عظيمة، وترجم العديد منها إلى عدة لغات، واعتمدت جامعات أوروبا على كثير منها في التدريس، بل ظل بعضها المرجع الأول في الطب حتى القرن (17) الميلادى، ومن أشهر مؤلفات "الرازى":
- كتاب "الحاوى"، وهو من أكبر مؤلفات "الرازى"، وأعظمها شأنًا، وقد أمضى في تأليفه نحو (15) عامًا، وتتضح في هذا المؤلف الضخم مهارة "الرازي" في الطب، وتتجلى دقة ملاحظاته، وغزارة علمه، وقوة استنتاجه .
- وكتاب "الجدرى والحصبة"، وكتاب "المنصوري في الطب"، و"الفاخر في الطب"، و"من لا يحضره طبيب"، و"الحصى في الكلى والمثانة"، و"منافع الأغذية"، و"سر الأسرار"، و"شروط النظر"، و"علة جذب حجر المغناطيس للحديد" .. وغيرها .
توفي العالم الطبيب "أبو بكر الرازي" في عام (313ﻫ = 925م) بعد أن تجاوز الستين من عمره بقليل .
أرسل تعليقك