غزة ـ محمد أبو شحمة
لم يدر في خلد الشابة الصحّافية إسلام البربار يومًا أنها ستستيقظ على وقع كابوس يفتك بما بين ضلوعها، لتبكي بحرقة على أطلال مشروعها الصغير والذي أصبح كومة رماد؛ بعد أنّ أقدمت المقاتلات الإسرائيلية في حربها الأخيرة على قطاع غزة باستهداف برج الباشا، أحد الأبراج السكنية فيها والذي كان يضمّ بين جنباته حلم إسلام الصغير ومصدر رزقها الوحيد
" إذاعة صوت نساء غزة"
والدموع تنهمر من مقلتي إسلام، أخذت تروي أولى خطواتها نحو تحقيق حلمها: "حينما تخرجت من الجامعة كان عليّ أنَّ أنتظر طويلاً حتى أحظى بفرصة عمل، وحتى لا أكون في صفوف العاطلين عن العمل قررت البدء بمشروع صغير وبالفعل أنشأت مركزًا للتدريب الإعلامي".
ولادة الحلم
ووسط سيل الدموع واصلت حديثها: "لقد بدأت العمل بإمكانيات بسيطة جدًا، لم أكن أملك سوى طاولتين وخمسة عشر كرسيًا، ورغم ذلك لم أرضخ لندرة التمويل بل ومضيت نحو تحقيق حلمي."
وبعد ما يقارب الخمس سنوات من العمل الدؤوب في المركز التدريبي ونظرًا لاهتمامها الكبير بقضايا المرأة قررت إسلام أنَّ توسع دائرة طموحها وتقوم بإنشاء أول إذاعة إلكترونية نسوية متخصّصة بقضايا المرأة في قطاع غزة.
تستطرد حديثها: " أنشأت الإذاعة لأنني كنت قريبة جدًا من المرأة أتناول قضاياها في كل أعمالي ولمست حاجة المرأة الغزية لأن يكون لها صوت ومنبر يدافع عن حقوقها ويعرض مختلف القضايا السياسية والثقافية والطبية وغيرها بعيون النساء في غزة."
الإذاعة التي طالما تغنت باسمها إسلام في كل المحافل واللقاءات الصحفية بإمكانيتها المتواضعة استطاعت أنَّ تجذب اهتمام شريحة واسعة من النساء الفلسطينيات واللاتي كنَّ يستمعنّ من خلالها لأكثر من عشرة برامج متخصّصة بالقضايا المتعلقة بهنّ.
وبفخر كبير بيّنت إسلام رعايتها للإذاعة: "لقد كانت الإذاعة رغم حداثة نشأتها بالنسبة لي "الابنة المدللة" والابنة التي لم أنجبها ومقرها هو بيتي الثاني الذي أقضي فيه جل وقتي وأمنحه بسعادة كبيرة كل اهتمامي."
مَصاب جلل
لكن سعادة إسلام تلك وهي تحصد ثمرة جهدها المتواصل لم تدم طويلاً؛ إذ سرعان ما وأد الحلم في مهده، تستذكر إسلام لحظة وقوع الفاجعة: "حينما قصف البرج كنت نائمة في منزلي، استيقظت على صوت والدتي وهي تصرخ وتبكي، وحينما أخبرني والدي أنه قد تمّ قصف البرج لم أصدق الأمر وقررت الانطلاق فورًا إلى حيث مقرّ الإذاعة، وما إن دلفت السيارة نحو الشارع الذي يتواجد به البرج المستهدف حتى صدمت من هول المشهد، صدمة كبيرة، رأيت البرج المكون من 14 طابقًا وقد سوي في الأرض، لم أتمالك نفسي وانهمرت دموعي".
لبضع دقائق صمتت إسلام لتتابع حديثها بعد ذلك بصوت تخنقه العبرات: "سرعان ما ضاع حلمي، ذكرياتي، أوراقي، الهدايا والجوائز التي جمعتها على مدار سنوات عملي، لقد قصف البرج الذي فيه مكتبي وفي جوف الأرض دفن حلمي".
ورغم أنَّ الحرب قد وضعت أوزارها إلى أنّ إسلام مازالت غير قادرة على استيعاب حجم الكارثة: "إلى الآن أستيقظ صباحًا وأتمنى العودة إلى مقرّ الإذاعة والجلوس على مكتبي وتقديم البرامج الإذاعية للجمهور ومتابعي الإذاعة".
الغصة والمرارة تلك التي انتابت "إسلام" يكابدها خمسة عشر صحفيًا وصحافية آخرين كانوا قد وقفوا جنبًا إلى جنب مع إسلام وعملوا سويًا من أجل إنجاح فكرة عمل الإذاعة، لكنهم باتوا اليوم يتفحصون ركام إذاعتهم وعيونهم ترقب العودة للعمل عما قريب شرط توفر التمويل اللازم لها.
أرسل تعليقك