يشكّل النجم الشاب نواف العابد نموذجًا ساطعًا للاعب المهاري والموهوب على أرض الميدان، وفي مواسم مضت صُنف لاعب وسط فريق الهلال كأحد أبرز نجوم الدوري السعودي، فضلًا عن كونه عمودًا أساسيًا للمنتخب السعودي بفضل نشاطه الدؤوب ومساهمته الكبيرة في تحقيق الانتصارات، الأمر الذي وجده مدربو الأخضر ورقة رابحة ترجح كفتهم مع الخصوم.
ومؤخرًا استبشرت الجماهير الهلالية ومعها الشارع الرياضي السعودي بعودة النجم الشاب لمداعبة الكرة وتحديدًا من خلال مباراة الأهلي في ذهاب دور الـ16 الآسيوي، التي كسبها الأزرق برباعية وضع من خلالها قدمًا في ربع نهائي البطولة قبل مواجهة الإياب في الرياض، بعد غياب طويل تسببت به إصابة أسفل عضلات البطن لطالما عانى منها في السنوات الأخيرة.
ويرى أطباء متخصصون في علاج إصابات الملاعب أن هذا النوع من الإصابات يُعدّ الأخطر على مسيرة اللاعب، ما قد يتسبب في اعتزال الكرة في وقت مبكر بعيدًا عن عامل السن.
وتحتفظ الذاكرة الهلالية بواحدة من أكثر المواقف المؤلمة، عندما أعلن قائد المنتخب السعودي والمدافع التاريخي للأزرق، صالح النعيمة، اعتزال الكرة وهو في سن الـ31 بسبب تعرضه لإصابة من النوع نفسه.
وكان العابد ابتعد قسرًا عن مزاولة الكرة لأكثر من عام بسبب الإصابة، وبعد عودته للملاعب كانت مشاركاته متقطعة وحُرِم من كثير من المناسبات، منها كأس العالم في روسيا 2018 ومن ثم كأس آسيا بالإمارات وكثير من مباريات الهلال المحلية والخارجية.
ولطالما اشتكى العابد من هذه الإصابة، فرغم البرنامج العلاجي الطويل، فإنها تلاحقه من موسم لآخر، وعندما عاد في الموسم الماضي وبالتحديد في مباراة فريقه ضد القادسية، تجددت الإصابة وأجبرته على الغياب مرة أخرى.
ومن جانبه، أشاد الدكتور صالح الحارثي استشاري جراحة العظام والطب الرياضي ورئيس اللجنة الطبية بالاتحاد السعودي لكرة القدم المشرف العام على الجهاز الطبي بالمنتخب السعودي والمنتخبات السنية بالطموح والتحدي الذي يمتلكه العابد، وتمكنه من تجاوز هذه المرحلة الصعبة من مسيرته الكروية، وقال: نواف العابد من أقرب اللاعبين لي شخصيًا، فأنا أعرفه منذ أكثر من 15 عامًا، وأعلم جيدًا أنه يملك تحديًا شخصيًا وطموحًا عاليًا يجعله يضحي بالكثير من أجل الحضور في اللحظات المهمة والمباريات الحاسمة، وللأمانة، فإن إصابته لم تأخذ مسار الإصابة الطبيعية، فقد تحامل على نفسه كثيرًا قبل وبعد العملية، ودائمًا ما يصرّ على الاستمرار في الملاعب ويرفض الانقطاع عنها .
وقال الحارثي: بإذن الله لن يضطر العابد يومًا للاعتزال بسبب هذه الإصابة، لكنه يحتاج إلى فريق طبي متكامل، وبشكل عاجل يعيد تقييم الحالة ويضع خطة علاجية تعيد لكرة القدم السعودية أحد أهم لاعبيها المؤثرين والمتميزين .
وتابع الحارثي: إذا تحدثنا بالتفصيل عن إصابة نواف العابد، فقد بدأت بإجراء عملية تحرير لأوتار العضلة الضامة في فرنسا، ومن ثم حصل التهاب في موقع العملية، مما عطّل مرحلة التأهيل التي كانت تستهدف إبقاء الأوتار بعيدةً عن الالتصاقات، وهذا مسار غير طبيعي للحالة، وهنا حصل تغير محوري في مسار العلاج وبالتالي كان نواف في أمسّ الحاجة لوجود منظومة متكاملة من التخصصات وبنية تحتية جاهزة لتنفيذ خطة تتعامل بشكل لحظي مع المستجدات وتكيف البرنامج العلاجي، بما يحقق أفضل النتائج ويمكّن اللاعب من التعافي والتأهيل .
وتابع: الراحة الإجبارية وتعدد مراكز العلاج بعد العملية كان لها أثر سلبي، وعمومًا لاعب كرة القدم لا بد أن يواصل العلاج ضمن خطة واضحة المعالم حتى يتعافى تمامًا .
وقال الدكتور الحارثي: الإصابات بشكل عام ومنها إصابة العابد، وإن أصبحت تُعالَج من قبل ممارسين متخصصين، سواء في الداخل أو الخارج، فإن ذلك ما زال يتم بشكل فردي في غياب شبه كلي لعمل منظومة متكاملة بجميع فروعها للتعامل مع حالات الطب الرياضي عامة والإصابات بشكل خاص، وأعني بذلك أن الإصابة لذاتها تحتاج إلى خطة علاجية ذات مراحل زمنية معدة مسبقًا يخضع لها اللاعب بمجرد حدوث الإصابة، وتستهدف التشخيص الدقيق، ومن ثم الإعداد الذهني والبدني للتدخل الجراحي والتدخلات الجراحية ذات التفاصيل الواضحة للاعب ولجميع فريق العمل لتحوير برنامج التأهيل، وفق ما تم إجراؤه جراحيًا ومن ثم التأهيل الفيزيائي المتدرج يليه التأهيل الميداني، بعد ذلك برنامج استعادة الوضع الطبيعي للجسم .
وواصل: كذلك لا ننسى مرحلة العودة لممارسة الرياضة تليها استرجاع المهارة والتأهيل الوظيفي لها بالقدر الأعلى الذي يمكن تحقيقه، وتمارين الوقاية من الإصابة، وتجنب تكرارها لاحقًا، تنتهي بعودة اللاعب لممارسة دوره المهاري والخططي ضمن الفريق وقيامه بأدواره السابقة دون تحفظ . وتابع: هناك عدد من حالات الإصابة التي قمتُ بمراجعتها جراحيا خلال الفترة الماضية أرى أنه كان بالإمكان تجنُّب المضاعفات والحاجة لمراجعة العملية جراحيًا لو كان هناك تفصيل من الجراح عما تم إجراؤه داخل العملية لبقية فريق العمل وتعديل البرنامج التأهيلي وفقًا لذلك، كذلك من الأخطاء الاستمرار على تعميم بروتوكول تأهيل موحد منقول لجميع الحالات من قبل المؤهلين، الذي قد لا يجدي في بعض الحالات إضافة لغياب التواصل المهني الموثق مع الفريق المعالج ذي الهدف الموحد للوقوف على مستجدات الإصابة إيجابًا وسلبًا ودراستها ومن ثم إعادة صياغة الخطة العلاجية لتحقيق التعافي وعودة كثير من المصابين لسابق عهدهم .
من جانبه، دافع شاكر العابد والد اللاعب نواف العابد عن ابنه في معركته مع الإصابة، وقال: أستغرب وجود شائعات عن إهمال العابد لمرحلة التأهيل ونحوها، وبالتالي استمرار معاناته وابتعاده عن الكرة، فالإصابة التي تعرض لها قضاء وقدر ونحن نؤمن بهذا الشيء، وبذلنا كل ما نستطيع حتى يعود نواف للتألق، وأنا أتابع ابني يوميًا، خصوصًا من ناحية كل ما يتعلق بإصابته وتدريباته وسير العلاج. وعمومًا كل ذي نعمة محسود... في الأخير نتمنى أن يعود نواف لسابق عهده، وأن يكفيه الله شرّ الإصابات التي حرمته من حلم كل لاعب، وهو المشاركة في كأس العالم، التي أثّرت على نفسيته كثيرًا .
ومن جهته، قال نجم المنتخب السعودي ونادي الهلال محمد الدعيع إن العابد يتميز عن أي لاعب بقتاليته وجديته، سواء في التدريبات أو المباريات، وهو من نوعية اللاعبين الذين يتحاملون على إصاباتهم .
وتابع: كان من المفترض عمل برنامج خاص حتى نستطيع المحافظة على هذا النجم، لأنه بالفعل يحتاج إلى ذلك، والجميع يعرف كيف ساهم في تأهل المنتخب إلى نهائيات كاس العالم، وتحقيق كثير من البطولات لفريقه الهلال، وأعتقد أنه لم يجد الجهاز الفني الذي يساعده في عمل برنامج خاص .
وتابع: أتذكر أنه سجل أحد الأهداف الحاسمة في مرمى (الخليج)، ولشدة فرحته احتفل بطريقة الشقلبة الهوائية وكررها أيضًا بعد ذلك، ولقد تحدثت معه ونصحته بعدم تكرارها كونها خطيرة حتى لو استطاع إجادتها، ولكن قوة وصعوبة الحركة تسببت في إرهاق العضلة جراء المجهود الذي بُذِل وربما تنعكس عليه سلبًا . وتابع: مالك معاذ وسالم الدوسري يقومان أيضًا بهذه الحركة، وكثير من اللاعبين تعرضوا للإصابة في منطقة أسفل عضلات البطن بسببها، وبعض منهم عاد للملاعب والبعض الآخر اعتزل .
وختم الدعيع بالقول: ما زلت أقول إن العابد مطلب جماهيري ولاعب مميز ومهم، ومثل هذه النوعية من اللاعبين لا بد أن يُقدم لها برنامج خاص من أجل المحافظة عليها . وقال سعد مبارك لاعب المنتخب السعودي ونادي الهلال سابقًا: نواف العابد من المواهب البارزة التي مرت على الكرة السعودية، فهو لاعب يمتاز بصناعة اللعب، والتسديد على المرمى ويملك ثقة كبيرة ويوجد في الأوقات الصعبة وكان له دور كبير في تأهلنا إلى كاس العالم .
وأضاف: الجميع يعرف أن إصابات الملاعب متعبة ومرهقة اللاعب، حتى لو التزم بالبرنامج العلاجي والراحة التامة .
وقال: إصابة أسفل عضلات البطن تُعتبر متعبة ومزمنة في الوقت ذاته، وكما هو معروف إصابة العضلة الضامة (الصفاق) من الإصابات التي تحتاج إلى راحة وعلاج طبيعي فقط لا يقل عن 6 أشهر . وتابع: سمعتُ أن العابد لم يكن ملتزمًا بمراحل التأهيل، فالعلاج الطبيعي له أشياء مكملة كالانتظام في النوم والطعام، ومثل إصابة نواف تحتاج إلى الراحة وأتوقع أنه يحتاج إلى وقت أطول للتعافي تمامًا، حتى لا تعود الإصابة مجددًا .
وتحدث المدرب الوطني جاسم الحربي الذي سبق أن أشرف على تدريب نواف العابد عندما كان لاعبًا في فريق شباب الهلال قائلًا: أعتقد أن البرنامج التأهيلي بعد إجراء العملية يعد من أهم مراحل تجهيز اللاعب فالتأهيل لا بد أن يكون جيدًا ومنظمًا وفي الوقت ذاته يساعد اللاعب من خلال الانتظام على البرنامج .
وتابع: العابد من أفضل اللاعبين على مستوى القارة الآسيوية، وشاهدنا مدى تأثير غيابه عن المنتخب السعودي والهلال، ومثل هذه النوعية من اللاعبين يجب المحافظة عليها .
وختم بالقول: ما يميّز العابد هو أن لديه طموحًا كبيرًا ودائمًا يحب أن يكون لاعبًا أساسيًا، وهو يكره الخسارة ويقاتل من أجل الانتصار في جميع المباريات التي يخوضها .
قد يهمك ايضا:
نواف العابد يَصدم جماهير الهلال السعودي مجددًا
صراع إنجليزي للتعاقد مع مدرب الهلال السابق البرتغالي جيسوس
أرسل تعليقك