نابلس - فلسطين اليوم
قضت الأم من قرية سالم شرقي نابلس "زكية نصر" إثر خطأ طبي مع وليدها الذي انتظرته طويلًا كسند لأخواته الثلاث "أكبرهن بعمر 8 أعوام"، ومنذ ذلك الحين لا زال زوجها "وجدي نصر" يكابد وجع الروح، ليس فقط لأنه حرم من زوجته وطفل عاش لأشهر كحلم جميل، بل وأيضًا لأن دموع بناته الثلاث، منذ موتهما بداية الشهر الجاري، باتت أكبر من قدرة قلبه على الاحتمال.
ليست فقط الفجيعة ما جعلت من حياة الأب "نصر" وبناته الثلاث غمامة سوداء، ذلك أن مقترف الخطأ الطبي الذي أودى بحياة امرأته وطفله في مستشفى "رفيديا" في نابلس، لا زال طليقًا وعلى رأس عمله، رغم تأكيد الطب الشرعي أن المأساة التي حلّت بعائلته نجمت عن خطأ طبي كان يمكن تجنبه، ورغم أن مقترفي الخطأ حاولوا إخفاءه.
قصة الموت الفاجعة التي يعيشها المواطن نصر منذ توفيت زوجته وطفله الحلم، بدأت حين أدخلت الزوجة (29) عامًا مطلع أيار/ مايو الجاري المستشفى كحالة مراجعة بعد أن تعدت الفترة الزمنية المحددة للإنجاب، حيث تم إخضاعها لفحوصات طبية أكدت أن العمليات الحيوية في جسمها كانت طبيعية، ما اقتضى إعطاءها الطلق الصناعي لتسهيل عملية الولادة، لتدخل عند الثانية فجرًا في حالة ولادة تعثرت على الطبيبة والقابلتين المرافقتين لها، ما استدعى دعوة طبيب مختص، لتنتهي الحالة، لاحقًا، بوفاة الأم وجنينها.
وكشف تقرير الطب الشرعي بشأن قضية موت الأم زكية نصر وجنينها وشهادات الأطباء تفاصيل مروعة عما حصل في تلك الليلة حيث كانت عائلتهما تنتظر نهاية عملية ولادة بالسّلامة، كما تكشف عن أخطاء وإهمال طبي تسبب في المأساة، حيث أدخلت الأم عند الرابعة مساء إلى قسم ولادة بينما لم توجد أي علامات لولادة طبيعية كما يشير التقرير الطبي، ثم بعد ذلك تم إجراء تحفيز للولادة بإعطائها الطلق الاصطناعي.
واستمر الوضع على ذلك حتى الثانية فجرًا، لتبدأ عملية الولادة بإشراف طبيبة وقابلتين، إلا أن الثلاث سرعان ما تعثرن بسبب وزن الجنيين وحجمه "4 كغم - طوله 52 سم" والوضع الذي كان عليه في رحم الأم، وهو ما تطلب عملية ولادة قيصرية استخدم خلالها الطبيب المختص الذي تم استدعاؤه شفّاطًا كهربائيًا.
غير أن "الشفّاط" عند تركيبه فشل في تحريك الجنين، ليواصل الطبيب عملية "الشّفط" بشكل قوي ومستمر لمدة لم تقل عن خمس دقائق، وبالضغط بقوة على الجانب الأيمن من بطن الأم، ما تسبب في نزول الطفل إلى حوض الولادة، بالمقابل تسبب في انفجار ونزيف بالرحم كما كشف تقرير الطب الشرعي، إلا أن الطبيب المختص شرع، مرة أخرى، في سحب الجنين بواسطة الشفاط. ما جعل الوليد في وضع صحي صعب استدعى نقله إلى العناية المكثفة، وما جعل الأم أيضًا، في وضع أسوأ، فقدت معه "وفق شهادات من حضر عملية الولادة" قدرتها على الإبصار ثم مفارقتها الحياة عند الرابعة فجرًا، ليلحقها الوليد إلى الموت بعد ساعتين فقط.
وذكر طبيب التشخيص الذي حضر لإنقاذ الأم في إفادته للنيابة العامة، أنَّ الفريق الطبي لم يذكر له سبب تردي حالة الأم الصحية بعد ولادتها، ما جعله يفترض أنها أصيبت بجلطة رؤية، وهو ما دفعه للقيام بإسعافها استنادًا إلى "فرضية" أنها أصيبت بجلطة رؤية، فيما قال طبيب التشريح المختص في إفادته أن التشخيص الدقيق والكشف السريع أظهر وجود نزيف في الرحم، وهو وضع كان يمكن معه إنقاذ حياة الأم بإجراء عملية سريعة لا تتعدى 35 دقيقة لوقف النزيف، بينما كان حجم الجنين يتطلب عملية قيصرية لإخراجه، بدلاً من عملية الولادة الطبيعية.
وحسب تقرير الطب الشرعي، تم استخراج 3 لترات دم من داخل جوف الأم، بينما قالت عائلة الضحية إنَّ الأطباء خرجوا من غرفة العمليات وأخبروا العائلة أن الأم توفيت جراء جلطة رؤية، وهو ما ينفيه تقرير الطب الشرعي الذي أشار إلى أن سبب الوفاة ناجم عن نزيف داخلي بسبب انفجار في الرحم، كما أن الوليد توفي جراء انفجار بالكبد وتهتك في جمجمة الرأس نجم عن عملية الضغط والشفط.
ويخلص تقرير الطب الشرعي إلى أنَّ وفاة المولود نجمت عن سببين رئيسين: الصدمة النزفية التي تعرضت لها الأم جراء تمزق الرحم أثناء الولادة، ما أدى إلى نقص بالتروية للجنين عن طريق المشيمة وأيضًا، الصدمة النزفية التي تعرض لها الجنين جراء تمزق الكبد والنزيف تحت فروة الرأس.
وبين الطبيب المختص الذي أشرف على عملية التشريح في رده على سؤال وجه إليه من النيابة بشأن ما إذا كان الضغط ساهم في عملية التمزق أو انفجار الرحم "أن الضغط الخارجي ساهم بشكل كبير، إما بإحداثه أو بزيادة حجمه"، فيما تقول عائلة الأم زكية نصر، استنادًا إلى شهادات الطبيبة والقابلتين، أنَّ رئيس قسم الولادة في المستشفى والطبيب المختص طلبا منهن عدم التحدث عن قيام الأخير بالضغط على بطن الأم، بوعد أنهما سيساعدان في عدم توريطهن بالحادثة.
وأوضح رئيس نيابة نابلس مجدي شرعب أن المؤشرات الأولية في التحقيق بشأن موت الأم نصر وجنينها، تشير إلى وقوع إهمال وخطأ طبي، وأن النيابة العامة في انتظار استكمال التحقيقات لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وأوضح أن النيابة العامة كانت تحفظت على جثتي الأم والجنين فور ورود إشارة بوفاتهما أثناء عملية الولادة، ثم تم نقلهما إلى التشريح، بالرغم من أن العائلة رفضت ذلك في البداية، مضيفًا أن نتائج التشريح والمؤشرات الأولية من التحقيقات تشير إلى وقوع خطأ في المستشفى أثناء العملية، وأنه بعد استكمال التحقيقات التي أجريت وسماع اللجان المختصة، قد يتم توجيه تهمة "القتل بغير قصد" لكل من شارك في عملية الولادة.
وأفاد طبيب شرعي، بأن الخطأ الطبي الذي تسبب بموت الأم نصر ووليدها كان واضحًا وحجم التشويه في جسم الوليد كان غير مسبوق، مضيفًا أن النيابة العامة ستلاحق كل من تورط بالجزاء القانوني بعد الانتهاء من التحقيقات وتقديم اللجان الفنية تقريرها النهائي.
وبينت عائلة الأم زكية نصر أن الطبيب المتسبب في وفاتها ووليدها "لا زال يمارس عمله، بينما اكتفت وزارة "الصحة" بإيقاف الطبيبة والقابلتين عن العمل"، فيما تطالب العائلة القضاء الفلسطيني بمحاسبة كل من تسبب في وفاتهما.
وطالبت وزارة "الصحة" بالتعويض الكامل المادي والنفسي، كما ناشد عم العائلة رئيس السلطة محمود عباس "أن ينظر إلى يتيمات الأم زكية نصر الثلاث "ميار، ميرا ولمار" بعين الحنان، لاسيما أن العائلة تعيش ظروفا اقتصادية صعبة، حيث يتقاضى الأب أجرًا يوميًا لا يتعدى 50 شيكلًا.
أرسل تعليقك