دمشق-فلسطين اليوم
لا تزال الحرقة والغصة ترافق حديث عازف البيانو الفلسطيني-السوري، أيهم الأحمد، بعد أن فقد آلاته الموسيقية التي أحرقها عناصر تنظيم "داعش" المتطرف قبل نحو شهر ونصف، لكنه لا زال يغني ويعزف على الأورغ الصغير، ملصقًا عليه صورة بيانو.
يؤكد الأحمد بلا تردد أن الأمل تبدد بعد أن فقد آلاته الموسيقية، ولا يخفي حرقته، ويصف علاقته بآلاته الموسيقية بالإنسانية، ويبين أن "البيانو كان صديقي، اليوم لم أعد قادرًا على إيصال ما أريد بالشكل المطلوب".
الأحمد الذي اشتهر بأغاني فرقته على خلفية الدمار في المخيم، ذكر أن الموسيقى وحدها لا تفيد المخيم، لم يعد أحد يسمع موسيقاي، لم أعد قادرًا على العزف في الشارع مثلًا، في المخيم موسيقاي تفيد الأطفال فقط، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي يستمع إليها البالغون".
لكن الأحمد يرفض دمج الفن بالسياسة ويوضح، أن "الغرابة التاريخية التي يعيشها المخيم اليوم، تجعل منه متمسكًا بعدم الخلط بين الفن والسياسة، ويضيف بسخرية حارقة، "نحن لا نعلم في أي قرنٍ نعيش، هل هو الثامن عشر؟ هناك من يموت من الجوع في المخيم وهذا ما يهمني، ولأني مستقل سياسيًا، أرفض أي ربط بين موسيقاي والسياسة".
لطالما كان الفنان والشاعر والمثقف الفلسطيني صاحب موقف سياسي واضح، فلماذا يفضل الأحمد أن يكون فنه بلا تأويلات سياسية؟ يجيب، "إنه لا يستطيع تحديد العدو اليوم، "أنا لا أعلم من هو عدوي اليوم، طالما كان الفن الفلسطيني موجهًا ضد الاحتلال، كان العدو والهدف واضحيْن، اليوم شخصيًا لا أفهم ما يحدث في سورية، لا أستطيع حتى التنبؤ بمستقبله أو شكله".
وكان الأحمد اعترض مرارًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حين استخدمت قنوات تلفزيونية مقاطع فيديو له في تقارير إخبارية.
ولم يكن الأحمد يتوقع تلك الشهرة التي حظي بها حين بدأ الغناء في شوارع المخيم مع بدء الحصار العسكري عليه منتصف تموز (يوليو) العام 2013، حيث كانت مبادرة عفوية من شباب المخيم الذين أطلقوا فيما بعد فرقة "شباب اليرموك" وغنوا في الشوارع بين الدمار ومخلفات القصف وأنقاض المباني، على الأقل لم يكن من المخطط له حينذاك أن يشارك الأطفال في الغناء حيث يلفت، "كنا نغني اليرموك اشتقلك يا خيا، حين اجتمع حولنا عددٌ من الأطفال وراحو يرددون الكلمات معنا، سألتهم من أين تعرفون الأغنية، كانوا قد سمعوها في شوارع المخيم وحفظوها، ومنذ ذلك الحين باتت الفرقة تضم أطفالً".
ويضيف الأحمد، "إن من الغباء أن نطالب اليوم بعودة المدنيين إلى المخيم، قسمٌ كبير من سكان اليرموك باتوا لاجئين في أوروبا، وليس من المنطقي أن تطلب من هؤلاء أن يعودوا لحياة الحرب، فالمخيم على أرض سورية، هذه الرؤية يسحبها عازف البيانو على نفسه، "أود اليوم مغادرة المخيم وكل سورية".
وكما الكثيرين في اليرموك عاش الأحمد أيامًا صعبة لا تنسى، منها ذلك اليوم الذي جاع فيه ابنه ولم يجد له طعامًا، ويسرد، "كانت الساعة الثالثة والنصف فجرًا، أيقظني صوت ابني أحمد، كان جائعًا ولا طعام في المنزل، خرجت أبحث عن حليب وكان سعره باهظًا، ولم أحصل عليه أبدًا، ذلك اليوم لن أنساه ما حييت".
كان بإمكان الكثيرين أن يغادروا المخيم قبل إطباق الحصار عليه، لكن لأسباب عدة آثر قسمٌ كبير منهم البقاء في اليرموك، الأحمد كان سببه واضحًا، "آلاته الموسيقية التي لن يستطيع حملها معه إلى خارج المخيم، ثم إلى أين سيذهب؟ فقرر البقاء، لكنه اليوم غير رأيه، "نعم اليوم أريد مغادرة المخيم من أجل أطفالي، كفاهم ما عاشوه حتى الآن".
وحين نسأله عن أحلامه يرد بحيرة، فقد نسي الكلمة وما تعنيه، وبعد تفكير، "أن أعزف في أكبر مسارح العالم".
أرسل تعليقك