يسعى «مشروع نظام الإقامة المميزة» الذي تمت الموافقة عليه من قِبل مجلس الشورى السعودي، إلى استقطاب المقتدرين مالياً ليعاملوا معاملة خاصة، خصوصاً في ظل وجود نظام «الكفيل» للمقيمين. ويتضمن إنشاء مركز يسمى «مركز الإقامة المميزة»، وتكون الإقامة المميزة على نوعين؛ غير محددة المدة، ولسنة واحدة قابلة للتجديد وفق شروط من أبرزها وجود جواز ساري المفعول مع وجود الملاءة المالية وتقرير صحي يثبت الخلو من الأمراض المعدية، وسجل جنائي خال من السوابق، وألا يقل العمر عن 21 عاماً، وتوفر إقامة نظامية إن كان داخل السعودية.
ويتفق محللون ومختصون على أن تطبيق النظام الجديد سيوفر أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً إلى جانب خفض تحويلات الأجانب إلى الخارج، فضلاً عن ضخ استثمارات جديدة تمثل قيمة مضافة إلى الاقتصاد السعودي.
وقال المحلل الاقتصادي راشد الفوزان لـ«الشرق الأوسط» إن الإقامة المميزة في حال اعتمادها ستكون حلاً للمستثمرين أو من لديهم ملاءة مالية، إذ تمكنهم من تملك العقار والتنقل والسفر، مشيراً إلى أنها ستزيد الحراك الاقتصادي في السعودية، إضافة إلى تنظيم إقامة من لديه رغبة استثمارية.
وأكد الفوزان أن الإقامة المميزة لن تسبب زيادة البطالة في السعودية، إذ إنها ستشجع على الاستثمار داخل البلاد الذي من شروطه نسبة توطين تتراوح بين 50 و100 في المائة.
وتحمل أبعاد مشروع النظام فرصة في القضاء على بعض أوجه التستر، والدفع بعجلة الاقتصاد والنشاط التجاري للتوسع والشفافية، والإسهام في الحد من ظاهرة «الاقتصاد الخفي»، إذ يشير مشروع النظام إلى منح المقيم مزايا؛ منها الإقامة مع أسرته واستصدار تأشيرات زيارة للأقارب واستقدام العمالة وامتلاك العقار وامتلاك وسائل النقل وغير ذلك، كما يسمح لحملة الإقامة المميزة بحرية الخروج من السعودية والعودة إليها ذاتياً، ومزاولة التجارة، وتكون الإقامة إما لمدة غير محددة وإما لسنة قابلة للتجديد.
وكان الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي كشف للمرة الأولى عن المشروع في أبريل (نيسان) 2016، ونيّة السعودية استحداث نظام البطاقة الخضراء (Green Card) وتطبيقه خلال السنوات الخمس المقبلة ضمن «رؤية السعودية 2030».
وتمكّن البطاقة المقيمين من العيش والاستثمار في السعودية وفق أسس معينة ستمنحهم كثيرا من الحقوق والامتيازات التي لم تكن موجودة في وقت سابق ومقتصرة على السعوديين.
وبحسب بيانات هيئة الإحصاء السعودية؛ فإن عدد السكان غير السعوديين بلغ 12.2 مليون نسمة وهو ما يمثل نحو 37 في المائة من إجمالي عدد السكان.
من جانبه، قال الدكتور عبد الواحد الحميد المحلل الاقتصادي لمصادر إعلامية إن نظام الإقامة المميزة ينطوي على إيجابيات كثيرة، كالإسهام في الحد من مشكلة التستر التي تنخر في الاقتصاد السعودي.
وأضاف أنه سيكون بوسع الشخص المتمتع بالإقامة المميزة الاستثمار بشكل نظامي بدلاً من التخفي خلف واجهة محلية طفيلية شكلية، موضحاً أنه بدوره سيسهم في التصحيح البنيوي للاقتصاد السعودي وتقليص ما يسمى الاقتصاد غير الرسمي مما يتيح للدولة الحصول على عائدات ضريبية تعكس واقع الممارسة الاقتصادية الفعلية. بالإضافة إلى أن ذلك سوف يؤدي إلى استقطاب استثمارات أجنبية تبحث عن الاستقرار في أجواء من الشفافية والوضوح.
أضاف الدكتور الحميد أنه مع توفير البيئة المُطَمئنة للمستثمر الوافد الذي يمتلك ملاءة مالية مناسبة ويتمتع بإقامة مميزة، فإن هذا المستثمر سوف ينشط في تأسيس الأعمال مما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي ويتيح فرصاً وظيفية للسعوديين وفق أنظمة السعودة المُلزِمة، وبذلك يسهم في إيجاد قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد السعودي. وأشار إلى أن هذا النوع المشروط والانتقائي من الإقامة سوف يسهم في زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات، وبالتالي تسريع وتيرة النشاط الاقتصادي، فضلاً عن أن ذلك سوف يؤدي إلى الحد من التحويلات المالية إلى الخارج من قِبَل المقيم واستثمارها داخل الاقتصاد السعودي.
وعلى صعيد تأثير نظام الإقامة المميزة على سوق العمل، أكد الدكتور الحميد أن أهم الآثار الإيجابية تتمثل في إزالة بعض التشوهات التي تعاني منها هذه السوق بسبب التستر، وأنه سوف يترتب على هذا النظام عملية فرز وتنظيم لفئات العمالة الوافدة بشكل يعكس واقع سوق العمل ومعرفة مكوناتها الحقيقية، مما يساعد على بناء سياسات واستراتيجيات ذات فاعلية للتعامل مع سوق العمل من قِبَل الجهات الرسمية، وبالإضافة إلى توفير فرص عمل للسعوديين فإن سوق العمل سوف يستفيد من الخبرات المتراكمة للعمالة الوافدة المستقرة التي تنطبق عليها شروط هذا النظام بدلاً من التفريط فيها بعد اكتسابها خبرات راكمتها على مدى طويل من السنوات.
من جهته، أشار الدكتور محمد آل عباس المحلل الاقتصادي إلى أن الإقامة المميزة هي إحدى المبادرات الناتجة عن «رؤية السعودية 2030» التي تسعى السعودية من خلالها إلى تعزيز وجودها على خريطة جذب الاستثمارات العالمية وتعزيز تنافسية الاقتصاد السعودي، مضيفاً أن الإقامة المميزة ليست أكثر من تسهيل إجراءات الدخول والخروج للسعودية والعيش والتملك فيها، وهي وإن بدت قابلة للاستفادة منها من قبل أي أجنبي، فإنها في الحقيقة لن تكون ذات عوائد مجزية إلا على المستثمر الأجنبي أو من يقدم خدمات حقيقية للاقتصاد السعودي ولديه ارتباطات كبيرة هنا.
وأكد أنه ليس في هذا النموذج من الإقامة ما يهدد الاقتصاد السعودي أو مستويات البطالة، موضحاً أن الاقتصاد السعودي لديه الآن خيارات كثيرة متوفرة وهي قائمة حاليا وفعالة ومنها نظام الاستثمار الأجنبي، والذي يقدم تسهيلات كثيرة للمستثمرين، مضيفاً أن الإقامة المميزة سيكون دورها تعزيز جاذبية الاقتصاد والتنافسية العالمية.
وأوضح أنه من المتوقع في هذه الخيارات الواسعة من الإقامة أن تسهم في انتقال كثير من الشركات العالمية للعمل في السعودية، مؤكداً أن ذلك سيكون له أثر بارز في قدرة الاقتصاد على إنتاج وظائف وفي دعم حركة ونشاط المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي ستتمكن من الاستفادة من هذه الشركات الكبرى ودخولها للسوق مع تقليل تكاليف النقل والتصدير.
أرسل تعليقك