يجلس تحت أشعة الشمس الحارقة داخل ميناء غزة البحري , الصياد الفلسطيني خميس الهسي محاولًا إصلاح الأعطال التي لحقت بقاربه، بعد تعطله قبل عدة أشهر إثر استهدافه من قٍبل زوارق بحرية الاحتلال، أثناء رحلة الصيد، بذريعة تجاوزهم المساحة المسموح الإبحار بها.
ولم يستطيع الصياد الهسي الذي يبلغ من العمر 57 عامًا, صناعة قارب جديد بسبب عدم توفر المواد اللازمة لصناعتها، فهو يحاول بقدر المستطاع الاعتماد على المبلغ الذي حصل عليه من الجهات المانحة لإصلاح قاربه، حتى يستطيع الإبحار به وتوفير لقمة العيش لأبنائه كون مهنة الصيد مصدر رزقه الوحيد.
وقال الصياد "أعمل بمهنة الصيد منذ طفولتي، وبعد استهداف القارب لم أستطيع العمل لتعطله بشكل كبير، فنحن بحاجة إلى قاربٍ جديد؛ ولكن في الوقت الحالي يبدو ذلك أقرب للمستحيل بالنسبة لي، نظرًا لغلاء المواد اللازمة للصناعة، فأسعارها أصبحت ثلاث أضعاف سعرها السابق، بعد منع الاحتلال دخولها عبر حاجز “كرم أبو سالم” بذريعة استخدامها لأعمال المقاومة”.
ويوضح الصياد الفلسطيني أمين أبو الصادق الملقب بـ” عُمدة الصيادين” والذي شارف عمره على الـتسعين، أن صناعة قوارب الصيد من أقدم الحرف التي عرفت على مر العصور حتى تم تطوريها وأصبحت على شكلها الحالي، ولكنها الآن تواجه الاندثار كحال الكثير من الحرف والصناعات التي تعطلت بفعل إجراءات الاحتلال.
يضيف الصياد أبو صادق، “مهنة صناعة قوارب الصيد إرثٌ وطني، وتعد من تراث شعبنا، فهى تعبّر عن النضال الفلسطيني على مر العصور، فكان أباؤنا وأجدادنا يستخدمون القوارب لقتال الأعداء والتنقل من مكان لأخر ونقل السلاح لعدم وجود سيارات ووسائل نقل حديثة في ذلك الوقت، فكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم”.
ويتابع حديثه، “أعمل بمهنة الصيد منذ الصغر وبعد تهجيرنا من أراضينا في العام 1948 أردت المحافظة على هذه المهنة والعمل بها وعدم التخلي عنها، والآن أبنائي وأحفادي كافة يعملون بصيد الأسماك، على الرغم من المضايقات المتكررة التي يتعرضون لها من قبل بحرية الاحتلال.
ويخشى عمدة الصيادين”، أن تبقى مهنة صناعة قوارب الصيد من "الزمن الجميل"، وتندثر نتيجة عدم توفر المواد الخام وغلاء أسعارها، متمنياً أن تتبنى المؤسسات الدولية والمحلية مشاريع لتعليم الشبان الصغار مهنة صناعة القوارب، والعمل على حمايتها من الاندثار والسماح بإدخال المواد اللازمة لصناعتها”.
عبد الله النجار “61 عامًا” والذي يعدّ من أقدم صانعي القوارب في قطاع غزة، ورث هذه المهنة عن والده وأجداده مذ كان طفلاً صغيراً، لكنه أصبح بلا عمل بعد توقف الصيادين عن صناعة قوارب جديدة والاكتفاء بتصليح قواربهم القديمة نظراً لارتفاع التكلفة وندرة المواد المستخدمة في صناعتها.
ويقول” لـ”قُدس الإخبارية“، “أعمل بصناعة قوارب الصيد منذ أكثر من “40عاماً” وهذه المهنة مصدر رزقي الوحيد؛ ولكنني توقفتُ عن العمل، وأخر قارب قمت بصناعته كان قبل خمس سنوات حينما كانت صناعة السفن مزدهرة في غزة قبل منع قوات الاحتلال منع إدخال المواد الخام وأهمها مادة “الفيبر جلاس”
تحديات وأمنيات
ويبين، أن مادة “الفيبر جلاس” تعد أساسًا لصناعة القوارب لأن القارب المصنوع من الخشب يتعرض للكسر بسرعة ويتسرب له الماء وعمره الافتراضي أقل، في حين هذه المادة عزلها أكبر وعمرها أطول وصيانتها أسهل بكثير؛ ولكن عدم توفر هذه المادة وارتفاع أسعارها عشرة أضعاف عن سعرها الأصلي أدى إلى تراجع عدد كبير من الصيادين عن صناعة قوارب جديدة، والاكتفاء بصيانة قواربهم القديمة”.
“كانت تكلفة صناعة قارب كبير والذي يسمى باسم “لنش” بطول 18 متراً وارتفاع ثلاثة أمتار عن سطح الأرض تصل إلى 70 ألف دولار، ولكن في الوقت الحالي تزيد ثلاثة أضعاف بسبب غلاء مادة “الفيبر جلاس” وعدم السماح بإدخال المحركات والمعدات الأخرى مثل المحركات”، يقول النجار.
كما تمنع قوات الاحتلال إدخال السلك المجدول والذي يستخدمه الصيادون في قواربهم، بالإضافة إلى أن غالبية المعدات المستخدمة في الصيد باتت ممنوعة ما عدا “شباك الصيد”.
ويأمل أقدم صناعي القوارب أن يتم رفع القيود الإسرائيلية، حتى يتمكنوا من استيراد المواد الخام اللازمة لصناعة القوارب الكبيرة، وأن يسمح الاحتلال للصيادين بالإبحار مسافة تزيد على 20 ميلاً، لتعود الحياة من جديد إلى مهنته، بعد أن أصبح عاطلاً عن العمل بعد توقف الصيادين عن صناعة قوارب جديدة.
أرسل تعليقك