يتمحور لقب بطولة العالم لسباقات "فورمولا واحد" للمرة الثالثة على التوالي، بين سائقي مرسيدس الالماني نيكو روزبرغ وزميله البريطاني لويس هاميلتون (حامل اللقب)، واللذين ارتقيا وتطوَّرا معا في عالم سباقات الحلبات.
وستكون حلبة "ياس مارينا" في ابو ظبي مسرحًا للمنازلة الحاسمة بينهما يوم الاحد المقبل لتحديد هوية بطل العالم لعام 2016.
ويخوض السائقان حربًا مستعرة، لم تستطع الصداقة التي كانت تجمع بينهما من تبريدها، لاسيما وان المنافسة بلغت أعلى مستوى لا يحتمل أي تراخٍ او تهاون.
لذا، تبدو تلك الصداقة، او ما بقي من آثارها، معلقة في ظل النزاع القائم بسبب "بطلين" شغوفين بالسرعة كل وفق اسلوبه ومنهج تفكيره.
نيكو هو نجل الفنلندي كيكي روزبرغ بطل العالم عام 1982، وينافس بهويته الالمانية من والدته.
نشأ في موناكو وانخرط في ارقى المؤسسات التعليمية ويتحدث خمس لغات.
أما هاميلتون فقد نشأ وسط عائلة بريطانية متواضعة تعود اصولها الى جزيرة "غرينادا" في البحر الكاريبي، وترعرع في بلدة "ستيفنغ" شمال لندن.
ولم يدخل مدرسة خاصة لكنه كان موهوبًا. عشق منذ صغره "الالعاب المسيّرة" وزاول الكاراتيه.
وكد والده انطوني المتخصص في المعلوماتية والبرمجة الالكترونية كثيرا ليؤمن له كلفة التدريب اذ اضطر للعمل في ثلاث وظائف لتوفير النفقات المطلوبة.
وبعد انفصاله عن زوجته، كان يكتفي برؤية صغيره في نهاية الاسبوع، او في العطلة السنوية في اسبانيا.
هكذا، قادت الاقدار هاميلتون تدريجًا الى عالم السباقات.
فخلال احدى العطلات في "إيبيزا" الاسبانية، جرَّب قيادة سيارات الكارتينغ واظهر براعة وتلقائية مشجعة.
وبالنسبة لروزبرغ، فقد لعبت الجينات العائلية ربما دورًا في تحديد مسيرته.
فهو كان في سن الثانية حين اعتزل والده سباقات "فورمولا واحد"، لكنه يتذكر جيدًا خوضه غمار بطولة السيارات السياحية في المانيا، كما تأثر بجدته لوالده بطلة فنلندا للراليات.
وفي سن العاشرة، طلب من والده السماح له بالمشاركة في سباقات الكارتينغ في جنوب فرنسا. وعلى غرار الصغير لويس، لفت نيكو الانظار وتوسم كثيرون فيه مستقبلا باهرا.
وعموما، لم يجد الفتى الموهوب صعوبة في تأمين موازنات مواسمه الاولى، اذ ادى والده دور مدير الاعمال والراعي على عكس والد لويس.
بدا لويس مقدامًا وطموحًا خلال حفلة توزيع الجوائز على السائقين الواعدين في نهاية موسم 1995، اذ همس في اذن رون دينيس مدير فريق ماكلارين، كاشفًا عن حلمه وتطلعه للقيادة تحت الوانه.
فطلب منه دينيس ان يعزز خبرته اكثر في الفئات الدنيا، واعدا بان يبقيه تحت جناحيه الى ان تحين الساعة.
وفي عام 1990 اوجدت "مرسيدس ماكلارين" آلية ضم مواهب واعداد ابطال شباب.
فبدت الطريق ممهدة امام نيكو سيما وان والده قاد في صفوف ماكلارين ومرسيدس.
اما دينيس فلم ينس وعده لهاميلتون.
وهكذا بدأ اول تعاون في اطار فريق "مرسيدس بنز - ماكلارين" وتحت اشراف الايطالي دينو كييزا، الضليع في عالم الكارتينغ.
فكان الواعدان عند حسن الظن، اذ ظفرا بسباقات عدة اوروبيا وعالميا، وهما لا يزالان دون الـ20 سنة.
ويوضح كييزا ان هاميلتون متّقد ذهنيًا وحاذق التفكير، يستثمر الامكانات المتوافرة له الى اقصى حد ما ان ينطلق على الحلبة، ما يسهل على الطاقم التقني توفير اعدادات دقيقة.
ويلفت كييزا الى ان روزبرغ ينحو اكثر الى التحليل، لذا يستغرق وصوله الى مراتب لويس وقتا اكثر.
ويتابع: "هاميلتون واثق من نفسه دائما، لا يخطىء حدسه، مقدام لاسيما في السباقات، فيحقق الفارق المطلوب.
اما روزبرغ واستنادا الى طبيعة دراسته الرياضيات والفيزياء، ينهج اكثر نحو الواقعية والعقلانية، ويتميز بقيادة انيقة على غرار هندامه وتسريحة شعره، يبذل مستطاعه ولو في بلوغ مراكز شرفية كي يؤمن نقاطا للفريق.
على خلاف هاميلتون الذي يهوى استقطاب المتفرجين".
وبالطبع اختلفت الايام، فخلال مواسم "الكارتينغ" كانت تغمر البطلين سعادة "بريئة" ويتشاركان غالبًا غرفة واحدة، فلا حسابات مسبقة واستراتيجيات و"افخاخ".
في عام 2000، انتقل الثنائي الى سباقات السيارات، فخاض روزبرغ بطولة "فورمولا بي ام دبليو" في المانيا، وهاميلتون بطولة "فورمولا رينو" على ارضه. و
حين انضم الى فريق ماكلارين عام 2007، كان روزبرغ سبقه الى مقود وليامس (2006).
علماً أنهما فازا تباعا قبل ذلك بلقب "فورمولا 2" الفئة الممهدة طبيعيا لخوض سباقات فورمولا واحد.
وفي "العالم الجديد" جاءت بداية روزبرغ مقنعة وهاميلتون محلقة.
فقد صعد السائق البريطاني منصة التتويج في سباقه الاول في استراليا عام 2007، وأحرز في موسمه الثاني اللقب العالمي، قبل ان يفرض سائق فريق "رد بل" الالماني سباسيتان فيتل احتكاره (2010 - 2013).
وانتقل "الصديقان" الى صفوف مرسيدس في موسم 2010، غير ان نقطة التحول في مسار العلاقة بينهما تفاقمت انحدارا بدءا من موسم 2014.
فقبل عام صعد كل منهما منصة التتويج 5 مرات، وحقق روزبرغ انتصارين وهاميلتون انتصارا واحدا.
وتقاسما 12 فوزا في عام 2014 الذي شهد تصادمهما خلال جائزة بلجيكا الكبرى عل حلبة "سبا"، ما ادى الى توقف هاميلتون، وأثارت الحادثة غضب مدير الفريق توتو وولف.
وحصد هاميلتون لقبه الثاني في عام 2015، غير ان حبس الانفاس بينهما طبع الموسم الحالي ليس على صعيد التسابق الى النقاط واللقب فقط، بل حتى في "تعمد" افتعال اشتباك.
فقد حدث التصادم في برشلونة (15 ايار/ مايو) لدى محاولة هاميلتون تجاوز زميله في مرسيدس فتوترت الاجواء المشحونة اصلا، ولو ان الفريق سعى الى التهدئة و"ربط النزاع" من خلال بيان اصدره وحمل فيه المسؤولية للطرفين.
ووقع التصادم الثاني خلال اللفة الاخيرة من جائزة النمسا الكبرى (تموز/ يوليو)، عندما حاول هاميلتون التجاوز في طريقه الى الفوز، فغرم مفوض السباق السائق الالماني 10 ثوان "ابعدته" الى المركز الرابع.
ومنذ تلك الحادثة يجتهد الخصمان اللدودان في التأثير على بعضهما بعضا، ولكل منهما "اسلحته" لتشتيت تركيز الآخر، مطبقين مبدأ "سلبيا" اشار اليه روزبرغ في مستهل موسمه الاول في فورمولا واحد وفحواه ان "منافسات السيارات ليست المكان الصالح لتكوين صداقات".
أرسل تعليقك